يعد مفهوم الشعور واللاشعور بمثابة نافذة نطل منها على أعماق النفس البشرية، فهو يكشف لنا عن تلك القوى الدافعة التي تحكم سلوكنا، وتشكل شخصيتنا. كما أنه يساعدنا على فهم أصول العديد من المشكلات النفسية، وكيفية التعامل معها. ومن خلال استكشاف هذا المفهوم، نتمكن من فهم أنفسنا بشكل أفضل، وبالتالي تحسين جودة حياتنا.
تكتسب دراسة الشعور واللاشعور أهمية بالغة في العديد من المجالات، فهي لا تقتصر على مجال علم النفس وحده، بل تمتد لتشمل مجالات أخرى مثل الفلسفة والأدب والفن. فالفلاسفة حاولوا منذ القدم فهم طبيعة الوعي والعلاقة بين الشعور والواقع، والأدباء استخدموا هذا المفهوم في أعمالهم لتجسيد الصراعات الداخلية التي يعيشها الإنسان، والفنانون استلهموا منه لإبداع أعمال فنية تعبر عن أعماق النفس البشرية.
وفي العصر الحديث، شهد مفهوم الشعور واللاشعور تطورات كبيرة بفضل إسهامات العديد من العلماء والمفكرين، الذين قدموا نظريات مختلفة حول طبيعة هذا المفهوم وعلاقته بالسلوك الإنساني. ومن أبرز هؤلاء العلماء سيجموند فرويد الذي يعد مؤسس التحليل النفسي، والذي اعتبر اللاشعور هو المحرك الرئيسي للسلوك الإنساني.
مفهوم الشعور
يقصد بالشعور بشيء ما إدراكه ومعرفته والحدس به على سبيل الفطنة وليس الاستدلال، كما يعرف بأنه حدس ذات الإنسان لكل من الأفعال التي يقوم بها، بالإضافة إلى أحواله وذلك حسب لالاند، فعندما يكتب شخصٌ ما، فهو يدرك أنه يكتب في هذه اللحظة وهذا من الشعور.
أما الحدس المرتبط بالشعور فهو الوعي بما يقوم به الإنسان من أفعال، وهو متراوح من الشدة إلى الضعف ومتباين من الوضوح إلى الإبهام.
وقال ودزورث، عالم النفس الأمريكي أنَّ الشعور ما هو إلا تمثيل للحالة الداخلية للإنسان، ومن ناحية أخرى، قال إيمانويل كانط أنَّ الشعور هو حالات من الكراهية والبهجة لدى الإنسان.
أما المشاعر فهي تجربة واعية يميزها النشاط العقلي الشديد، وبدرجة معينة من المعاناة أو المتعة، وغالبًا ما تتشابك الحالة النفسية مع العاطفة والشخصية والتوجه والمزاج، في بعض النظريات، كما يعدّ الإدراك من الجوانب المهمة للمشاعر.
مستويات الشعور
- الشعور التلقائي: هو الشعور الذي يكون عفويًا، ويحث ذلك عندما يتعرف الإنسان على ما تنقله له حواسه، دون أن يبذل مجهود فكريًا.
- الشعور التأملي: هو الشعور الذي ينتج جراء التأمل المركز الطويل في موضوع معين، ويكون ذلك مصحوبًا بالانتباه الشديد إضافةً إلى اليقظة والتركيز.
- الشعور الهامشي: هو مجال من مجالات الحياة النفسية الذي يلي موضوع الشعور التأملي، والذي من الممكن أن يعود في حال توجه انتباه الإنسان إليه بشكل إرادي، أو من الممكن أن يفرض نفسه على الإنسان، وذلك حسب توفر العوامل التي تساعده على الظهور في ساحة الشعور.
خصائص الشعور
يمتلك الشعور عدد من الخصائص التي تميزه، وهي كالآتي:
- متغير، أي أنه يتغير طوال الوقت ولا يثبت.
- متصل، إذ أنه دائمًا ما يكون متصلًا، رغم تغير الحالات الشعورية التي يعيشها الإنسان.
- انتقائي، وذلك لأن الانتقال بالشعور من موضوع لآخر لا يكون مفاجئًا، وإنما عملية قصدية انتقائية.
- كيفي، إذ إن الأحوال النفسية التي يشعر بها الإنسان توصف من حيث الشدة والضعف، وأيضًا من حيث الوضوح والإبهام.
- ذاتي، وذلك لأن الإنسان هو نفسه المؤهل لمعرفة أحواله النفسية، ولا يمكن لأحد آخر معرفتها.
مفهوم اللاشعور
يعّرف اللاشعور بأنه مجموعة من الفعاليات التي تؤثر في السلوك الإنساني، دون أن تصل إلى ساحة الشعور ومجاله، ولا تنتقل أبدًا إلى الشعور إلا في حال ضعف المقاومة، وذلك في الأحلام، أو في حالات العلاج النفسي، أو العصاب.
كما ينظر للاشعور على أنه الأفعال التي يقوم بها الإنسان بشكل آلي، وذلك دون أن يتدخل الانتباه الواعي بها، حيث من الممكن أن تصدر من الإنسان أفعال ذات سبب مجهول، وهي ليست غريزية وليست من عاداته.
فعلى سبيل المثال، كل موجة من أمواج البحر تتألف من عدة موجات صغيرة، وتمتلك هذه الموجات الصغيرة أصوات خاصة بها، إلا أن الإنسان لا يسمع إلا الصوت الناتج عن اجتماعها، ولا يمكنه سماعها منفردة لصغرها، فهل هي غير موجودة؟ لا، بالتأكيد أنها موجودة، وعدم سماع الإنسان لها لا يعني عدم وجودها حتى رغم عدم شعوره بها.
وهناك أشكال متعددة من اللاشعور، كاللاشعور الفيزيلوجي؛ كعمليات التنفس، والهضم، وغيرها، واللاشعور النفسو فيزيولوجي؛ كميول الإنسان العادي لشيء معين، واللاشعور الجمعي، وهو المعتقدات والأساطير التي يعرفها الإنسان وتؤثر على سلوكه، واللاشعور العائلي، الذي يتمثل بعواطف المحبة والكراهية، بالإضافة إلى للاشعور المرضي.