اضطرابات الأكل النفسية هي مجموعة من الحالات النفسية المعقدة التي تتسم باضطرابات شديدة في سلوكيات الأكل، وتتجاوز مجرد القلق بشأن الوزن أو شكل الجسم. إنها حالات خطيرة تؤثر على الصحة الجسدية والنفسية والعاطفية للفرد، وتتضمن مجموعة متنوعة من الاضطرابات مثل فقدان الشهية العصبي، والشره المرضي، واضطراب الأكل بنهم، واضطراب الأكل الاجتنابي/المقيد.
تتميز هذه الاضطرابات بأنماط أكل غير صحية، مثل تقييد الطعام بشكل مفرط، أو تناول كميات كبيرة من الطعام في فترات قصيرة، أو اللجوء إلى سلوكيات تعويضية مثل التقيؤ أو استخدام الملينات.
غالبًا ما تترافق هذه السلوكيات مع أفكار وسلوكيات مهووسة بشأن الوزن وشكل الجسم، مما يؤدي إلى تشويه صورة الجسم وتدني احترام الذات. تتطلب اضطرابات الأكل النفسية تدخلًا علاجيًا متخصصًا يشمل العلاج النفسي والتغذوي والطبي، وغالبًا ما يكون العلاج طويل الأمد.
كيفية علاج اضطرابات الأكل النفسية
تتنوع أساليب علاج اضطرابات الأكل النفسية، ويُصمم العلاج بما يتناسب مع نوع الاضطراب المحدد الذي يعاني منه الفرد. ومع ذلك، تشترك معظم خطط العلاج في بعض المكونات الأساسية، والتي تشمل بشكل عام واحدًا أو أكثر من العلاجات التالية:
العلاج النفسي
يُعتبر العلاج النفسي حجر الزاوية في علاج اضطرابات الأكل، حيث يهدف إلى معالجة الجوانب النفسية والعاطفية التي تساهم في تطور هذه الاضطرابات.
يتضمن العلاج النفسي مجموعة متنوعة من التقنيات والاستراتيجيات التي تساعد الفرد على فهم وتغيير أنماط التفكير والسلوكيات غير الصحية المرتبطة بالأكل والوزن وشكل الجسم، كما يتطلب هذا النوع من العلاج جلسات منتظمة مع أخصائي نفسي مؤهل.
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT):
يُعد العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أحد الركائز الأساسية في علاج اضطرابات الأكل النفسية، حيث يُستخدم على نطاق واسع وفعالية لمعالجة حالات مثل الشره المرضي العصبي (البوليميا) واضطراب الأكل بنهم، إذ يرتكز هذا العلاج على مبدأ أن الأفكار والسلوكيات مترابطة، وأن تغيير الأنماط السلبية للتفكير يمكن أن يؤدي إلى تغيير السلوكيات المضطربة.
وفي سياق اضطرابات الأكل، يساعد العلاج السلوكي المعرفي المصابين على اكتساب الوعي بأنماط تفكيرهم المشوهة المتعلقة بالوزن والغذاء وشكل الجسم، وتعلم كيفية تحدي هذه الأفكار واستبدالها بأفكار أكثر واقعية وإيجابية.
كما يتضمن العلاج تعليم المصابين مهارات مراقبة سلوكياتهم الغذائية وتحديد المحفزات التي تثير نوبات الأكل المضطرب، سواء كانت محفزات عاطفية أو اجتماعية أو بيئية، ومن ثم، يتم تطوير استراتيجيات للتكيف مع هذه المحفزات بطرق صحية، مثل تقنيات الاسترخاء وإدارة التوتر وحل المشكلات.
بالإضافة إلى ذلك، يركز العلاج السلوكي المعرفي على تغيير السلوكيات الغذائية غير الصحية، مثل التقييد الشديد للطعام أو الإفراط في تناوله، واستبدالها بعادات أكل متوازنة ومستدامة، ويساعد العلاج المصابين على تطوير مهارات تنظيم العواطف وتحسين صورة الجسم وتعزيز احترام الذات، مما يساهم في تحقيق التعافي الشامل والمستدام.
- العلاج العائلي (FBT):
يُعد العلاج العائلي من الأساليب العلاجية الفعالة بشكل خاص للأطفال والمراهقين الذين يعانون من فقدان الشهية العصبي أو الشره المرضي العصبي، حيث يقوم هذا النهج على إشراك أفراد الأسرة بشكل فعال في خطة العلاج الشاملة، وذلك لضمان التزام المصاب بالتعليمات العلاجية الموصوفة، وتبني نمط حياة صحي ومتوازن، والوصول إلى الوزن الصحي والحفاظ عليه.
إذ يهدف هذا الأسلوب إلى الاستفادة من قوة العلاقات الأسرية في دعم عملية التعافي، من خلال تعزيز التواصل الفعال، وتحسين ديناميكيات الأسرة، وتوفير بيئة داعمة ومحفزة تساعد المصاب على تجاوز التحديات المرتبطة باضطراب الأكل، وتتيح للعائلة فهم طبيعة المرض وكيفية التعامل معه بشكل صحيح، مما يساهم في تقليل التوتر والضغوط التي قد تؤثر سلبًا على المصاب وتعيق تقدمه في العلاج.
- العلاج السلوكي الجدلي (DBT):
العلاج السلوكي الجدلي (DBT) هو نهج علاجي متكامل يهدف إلى تمكين الأفراد من إدارة عواطفهم الشديدة وتقلباتهم المزاجية، والتي غالبًا ما تكون مرتبطة باضطرابات الأكل النفسية، وذلك من خلال دمج مبادئ العلاج السلوكي المعرفي مع فلسفة زن البوذية، مما يخلق توازنًا بين القبول والتغيير.
يركز هذا العلاج على تعليم مهارات محددة في أربعة مجالات رئيسية: اليقظة الذهنية، وفعالية التعامل مع الآخرين، وتنظيم العواطف، وتحمل الضغوط. من خلال اليقظة الذهنية، يتعلم الأفراد كيفية البقاء في اللحظة الحالية ومراقبة أفكارهم ومشاعرهم دون إصدار أحكام.
تساعد مهارات فعالية التعامل مع الآخرين على تحسين العلاقات الشخصية وتعزيز التواصل الفعال. أما مهارات تنظيم العواطف، فتمكن الأفراد من التعرف على مشاعرهم وفهمها وإدارتها بطرق صحية. وأخيرًا، تساعد مهارات تحمل الضغوط على التكيف مع المواقف الصعبة وتجنب السلوكيات الاندفاعية.
يهدف العلاج السلوكي الجدلي إلى مساعدة الأفراد على بناء حياة تستحق العيش، من خلال تعزيز قبول الذات وتحسين العلاقات الشخصية، وتقليل السلوكيات التي تضر بالذات، وتنمية القدرة على تنظيم العواطف والتعامل مع التحديات اليومية.
العلاج الدوائي
لا يوجد علاج دوائي شافٍ لاضطرابات الأكل النفسية، إذ لم يتم التوصل إلى أدوية قادرة على زيادة الوزن أو علاج فقدان الشهية العصبي بشكل مباشر. ومع ذلك، يمكن استخدام بعض الأدوية للسيطرة على جوانب معينة من اضطرابات الأكل الأخرى، مثل الشره المرضي واضطراب نهم الطعام، حيث تساعد هذه الأدوية على التحكم في الرغبة الشديدة في الإفراط بتناول الطعام.
بالإضافة إلى ذلك، قد يصف الطبيب مجموعة من الأدوية الأخرى للتخفيف من الأعراض والاضطرابات المصاحبة لاضطرابات الأكل، مثل:
- مضادات الاكتئاب: تستخدم لعلاج الاكتئاب والقلق، اللذين غالبًا ما يترافقان مع اضطرابات الأكل.
- مضادات الذهان: قد تُستخدم في بعض الحالات لعلاج الأفكار والسلوكيات الوسواسية المتعلقة بالطعام والوزن.
- مثبتات المزاج: يمكن أن تساعد في تنظيم التقلبات المزاجية الشديدة التي قد تساهم في اضطرابات الأكل.
الاستشارة التغذوية
يُعد العلاج الغذائي جزءًا أساسيًا من خطة علاج اضطرابات الأكل، حيث يتضمن العمل مع أخصائي تغذية مؤهل لتطوير علاقة صحية بالطعام واستعادة أنماط الأكل المنتظمة. يهدف هذا النوع من العلاج إلى تعليم المصابين مبادئ التغذية السليمة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول الطعام والوزن، وتطوير عادات أكل صحية ومستدامة.
يلعب أخصائي التغذية دورًا حيويًا في مساعدة المصابين على استعادة أو الحفاظ على وزن صحي، خاصةً إذا كانوا يعانون من تقلبات كبيرة في الوزن نتيجة لاضطراب الأكل. بالإضافة إلى ذلك، يساعد العلاج الغذائي على تحسين الصحة الجسدية والعقلية للمصابين، وتقليل خطر المضاعفات الصحية المرتبطة باضطرابات الأكل.
وقد أظهرت الأبحاث أن دمج العلاج الغذائي مع العلاج النفسي يعزز بشكل كبير من فرص التعافي، ويحسن النتائج العلاجية بشكل ملحوظ، حيث يوفر نهجًا شاملاً لمعالجة الجوانب الجسدية والنفسية لاضطرابات الأكل.
الدخول إلى المستشفى
عندما تتسبب اضطرابات الأكل النفسية في ظهور مضاعفات صحية خطيرة تهدد حياة المصاب أو تؤثر بشكل كبير على وظائف الجسم الحيوية، يصبح التدخل الطبي المكثف ضروريًا، وفي هذه الحالات، قد يوصي الطبيب المعالج بدخول المصاب إلى المستشفى لفترة محددة.
يهدف هذا الإجراء إلى توفير رعاية طبية متخصصة ومراقبة دقيقة للحالة الصحية، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي والتغذوي اللازمين. قد تشمل المضاعفات التي تستدعي دخول المستشفى اضطرابات في وظائف القلب والأوعية الدموية، أو اختلالات في توازن الكهارل، أو فشل في وظائف الكلى، أو سوء تغذية حاد، أو اكتئاب شديد مع أفكار انتحارية، أو غيرها من الحالات التي تتطلب تدخلًا فوريًا.
خلال فترة الإقامة في المستشفى، يتم التركيز على استقرار الحالة الصحية للمصاب، وتصحيح الاختلالات الجسدية، وبدء عملية إعادة التأهيل الغذائي، وتوفير الدعم النفسي اللازم للتعامل مع الأسباب الجذرية للاضطراب.
كيف تساعد المصابين باضطرابات الأكل النفسية؟
توجد العديد من النصائح التي تساعد المصابين باضطرابات الأكل النفسية، منها ما يأتي:
استمع لهم جيدًا:
تقديم الدعم للمصابين باضطرابات الأكل النفسية يتطلب فهمًا عميقًا وتعاطفًا كبيرًا، وأحد أهم جوانب هذا الدعم هو الاستماع الفعال؛ أي أن تخصص وقتًا كافيًا للاستماع إلى ما يقولونه، مع إظهار الاحترام الكامل لأفكارهم ومشاعرهم، حتى وإن كانت تتعارض مع وجهة نظرك.
لا تقتصر أهمية الاستماع على مجرد سماع الكلمات، بل تتعداها إلى محاولة فهم المعنى الكامن وراءها، وإظهار الاهتمام الحقيقي بما يمرون به. يجب أن يشعروا بأنهم مسموعون ومفهومون، وأنك موجود لتقديم الدعم غير المشروط.
تجنب إصدار الأحكام أو الانتقادات، وحاول بدلًا من ذلك أن تطرح أسئلة مفتوحة لتشجيعهم على التعبير عن أنفسهم بحرية. تذكر أن الهدف هو خلق مساحة آمنة يشعرون فيها بالراحة والثقة للتحدث عن تجاربهم وتحدياتهم.
تضمينهم في الأنشطة المختلفة:
ينبغي بذل جهد واعٍ لتضمين المصابين باضطرابات الأكل النفسية في كافة جوانب الحياة اليومية، سواء كانت مناسبات اجتماعية، أو رحلات ترفيهية، أو حتى مجرد لقاءات عائلية بسيطة. يهدف هذا التضمين إلى كسر عزلتهم وتقليل شعورهم بالوحدة الذي غالبًا ما يتفاقم بسبب اضطراب الأكل.
يجب أن يكون التواجد معهم ليس مجرد وجود جسدي، بل تواجدًا داعمًا ومتفهمًا، يظهر لهم أنهم ليسوا وحدهم في هذه المعركة. بالإضافة إلى ذلك، يجب الحرص على خلق بيئة آمنة ومريحة يشعرون فيها بالقبول والتقدير، وتجنب أي تعليقات أو سلوكيات قد تزيد من قلقهم أو توترهم بشأن الطعام أو الوزن. من خلال هذه الممارسات، يمكننا أن نساهم بشكل فعال في دعمهم وتشجيعهم على السعي نحو التعافي.
عزز احترامهم بذاتهم:
يُعد تعزيز احترام الذات لدى المصابين باضطرابات الأكل النفسية خطوة أساسية في رحلة التعافي، إذ أن تدني احترام الذات غالبًا ما يكون عاملًا مساهمًا في تطور هذه الاضطرابات واستمرارها. يمكن تحقيق ذلك من خلال التعبير المستمر عن التقدير والمحبة، وتذكيرهم بنقاط قوتهم وقدراتهم، والتركيز على صفاتهم الإيجابية وإنجازاتهم، بدلًا من التركيز على مظهرهم أو وزنهم.
يجب تجنب التعليقات السلبية أو الانتقادات المتعلقة بالطعام أو الجسم، وتشجيعهم على ممارسة الأنشطة التي يستمتعون بها وتساعدهم على الشعور بالرضا عن أنفسهم. بالإضافة إلى ذلك، من المهم الاستماع إليهم بتعاطف وتفهم، وتوفير بيئة داعمة يشعرون فيها بالأمان والقبول، والتأكيد على أنهم يستحقون الحب والاحترام بغض النظر عن شكلهم أو وزنهم.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.