كتعريف أولي لعلم العروض، نجد في معجم لسان العرب أن كلمة “عروض” تحمل في طياتها دلالات متعددة. ففي اللغة العربية الفصحى، تشير “العروض” إلى الطريق المتعرج في عرض الجبل أو إلى ما يعترض المسير في مضيق منه، كما أنها تعني المعنى الحقيقي والكامل للكلام.
هذا المعنى اللغوي الواسع هو الأساس الذي انطلق منه الخليل بن أحمد الفراهيدي وغيره من علماء اللغة والأدب لبناء علم العروض. ففي الاصطلاح، صار العروض يعني ذلك العلم الدقيق الذي يهتم بدراسة أوزان الشعر العربي وتحديد ما هو صحيح منها وما هو فاسد، وكشف ما قد يصيب تلك الأوزان من عيوب وزحافات.
وبتعبير آخر، فإن علم العروض هو الميزان الدقيق الذي يفصل بين الشعر السليم والشعر المعيب، تمامًا كما يفصل النحو بين الكلام الصحيح والكلام الخاطئ. وقد أجاد أحمد الهاشمي في كتابه “ميزان الذهب” في توضيح هذا المعنى، مؤكدًا على أن العروض هي صناعةٌ بمعنى فنٍّ أو مهارةٍ، وليست مجرد مجموعة من القواعد النحوية.
نشأة علم العروض
إن الشعر العربي، بتقاسيمه وإيقاعاته المميزة، قد سبق علم العروض بقرون عديدة. فالشعراء العرب، في عصر الجاهلية وما تلاه، كانوا يعتمدون على حِسهم الشعري الفطري وعلى ترديدهم لأشعار السابقين لتكوين أوزان جديدة لقصائدهم. لم يكن هناك حاجة إلى قواعد صارمة تحكم هذا الإبداع، فالشعر كان ينبع من أعماق النفس، ويسير على أوزان طبيعية تتناسب مع المعنى والموقف.
ومع ذلك، مع تطور اللغة العربية وتوسع دائرة الشعراء، برزت الحاجة إلى وضع قواعد علمية تحكم هذا الفن، وتساعد على تمييز الشعر الصحيح من السقيم.
وفي هذا السياق، يأتي دور العالم العربي البارز الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي يعتبر مؤسس علم العروض. في القرن الثاني الهجري، وضع الخليل الفراهيدي أسس هذا العلم القيّم، حيث قام بتحليل الأوزان الشعرية العربية، وتقسيمها إلى بحور وأقسام، ووضع القواعد التي تحكم تكوين كل بحر.
وقد اعتمد الخليل في دراساته على الشعر الجاهلي، الذي اعتبره نموذجًا للإتقان والإعجاز، و سعى إلى استخراج القواعد الكامنة في هذا الشعر، وتطبيقها على الشعر الذي يليه. وبفضل جهود الخليل، أصبح علم العروض من أهم العلوم العربية، ولا يزال يدرس حتى يومنا هذا، ليس فقط لفهم الشعر العربي القديم، بل أيضًا لتأليف الشعر الجديد وفق قواعد علمية سليمة.
بحور الشعر العربي
كما ذكرنا أعلاه فقد وضع الخليل الفراهيدي خمسة عشر بحرًا عروضيًّا من بحور الشعر تندرج تحتها أوزان الشعر العربي، ثم استدرك عليه تلميذه الأخفش وأضاف بحرًا جديدًا ليتم عددها لستة عشر بحرًا وهي:
الطويل، والمديد، والوسيط، والوافر، والكامل، والهزج، والرجز، والرمل، والسريع، والمنسرح، والخفيف، والمضارع، والمقتضب، والمجتث، والمتقارب، والمحدث، أو ما يعرف بالمتدارك، أو الخبب (وهو البحر الذي أضافه الأخفش)، وقد جمع أسماءها أبو الطاهر البيضاوي في بيتين من الشعر وذلك لسهولة حفظها وهما:
طَوِيلٌ يَمُدُّ البَسْطَ بِالوَفْرِ كَامِلٌ *** فَسَرِّحْ خَفِيفًا ضَارِعاً يَقْتَضِبْ لَنَا
وَيَهْزِجُ فِي رَجْزٍ وَيَرْمُلُ مُسْرِعَا *** منْ اجْتثَّ مِنْ قُرْبٍ لِنُدْرِكَ مَطْمَعَا
يتميز كل بحرٍ من بحور الشعر السابقة في علم العروض بتفعيلاته الخاصة التي تعبر عن موسيقاه الشعرية، وفيما يلي نذكر بعض الأمثلة لبعض البحور الشعرية مع تفعيلاتها وأوزانها.
- البحر الطويل. أما سبب تسميته بالطويل فهو طول تفعيلاته، وهو أكثر الأوزان الشعرية استخدامًا عند الشعراء القدماء، لذلك يعتبره بعض الدارسين قائد البحور الشعرية المخضرم.
- أما وزنه وتفعيلاته فهي:
- فعُولُن مفاعيلُن فعُولُن مفاعيلُن | فعُولُن مفاعيلُن فعُولُن مفاعيلُن
- من أشهر الأمثلة على البحر الطويل قصيدة أبي فراس الحمْداني والتي فيها:
- أما وزنه وتفعيلاته فهي:
أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر *** أما للهوى عليك نهي ولا أمر
بلى أنا مشتاق وعندي لوعة *** ولكن مثلي لا يذاع له سرّ
- البحر البسيط. هو اسمٌ على مسمى فهو أبسط البحور الشعرية وربما يسهل على الشعراء المبتدئين.
- أما تفعيلاته فهي:
- مُسْتفعِلن فاعِلُن مُسْتفعِلن فاعِلُن | مُسْتفعِلن فاعِلُن مُسْتفعِلن فاعِلُن
- من أشهر الأمثلة على البحر البسيط قصيدة عليّ زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والتي مطلعها:
- أما تفعيلاته فهي:
ليس الغريب غريب الشام واليمن *** إن الغريب غريب اللحد والكفن
إن الغريب له حق لغربته *** على المقيمين في الأوطان والسكن
- البحر الكامل: سمي هذا البحر بالكامل لكمال حركاته وهو يصلح لجميع أنواع الشعر القديمة والحديثة.
- تفعيلاته هي:
- متفاعِلن متفاعِلن متفاعِلن | متفاعِلن متفاعِلن متفاعِلن
- أشهر الأمثلة المعروفة على هذا البحر هي قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي في مدحه للمعلم والتي جاء فيها:
- تفعيلاته هي:
قم للمعلم وفّه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذي *** يبني وينشئ أنفسا وعقولا