هل تساءلت يومًا كيف نعرف قوة الزلازل المدمرة التي تهز الأرض؟ الإجابة تكمن في مقياس ريختر، وهو أداة علمية أساسية يستخدمها العلماء لقياس شدة الزلازل وتصنيفها. بفضل هذا المقياس، يمكننا فهم هذه الظواهر الطبيعية بشكل أفضل والتحضير للتعامل معها.
تعتبر الزلازل أحد أكثر الظواهر الطبيعية تدميراً وإثارة للرعب، فهي تحرك الأرض تحت أقدامنا وتدمر كل ما يقف في طريقها. لطالما سعى الإنسان لفهم هذه القوة الهائلة وتطوير أدوات لقياسها وتوقعها. ومن أهم هذه الأدوات مقياس ريختر، ذلك المقياس الذي أصبح مرادفاً لقياس قوة الزلازل في أذهاننا.
ولكن ما هو مقياس ريختر حقاً؟ وكيف يعمل هذا المقياس السحري الذي يستطيع أن يحدد قوة زلزال هائل بدقة متناهية؟ وما هي قصة اكتشافه؟ هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عليها في هذا المقال، حيث سنقوم برحلة شيقة في عالم الزلازل ومقياس ريختر، لنكتشف كيف تمكن العلماء من تطويع هذه القوة المدمرة وفهم أسرارها.
ما هو مقياس ريختر
مقياس ريختر هو أداة علمية أساسية لقياس قوة الزلازل، وقد طوره العالم الأمريكي تشارلز فرانسيس ريختر في ثلاثينيات القرن الماضي. هذا المقياس لا يقيس حجم الضرر الذي يسببه الزلزال، بل يقيس كمية الطاقة التي تطلق أثناء حدوثه.
يعمل المقياس على أساس سجلات الزلازل التي تسجلها أجهزة السيزموجراف، حيث يتم تحليل سعة الموجات الزلزالية التي تنتج عن الزلزال لحساب قوته. مقياس ريختر هو مقياس لوغاريتمي، مما يعني أن كل زيادة في درجة واحدة تمثل زيادة بمقدار عشرة أضعاف في سعة الموجات الزلزالية وطاقة الزلزال. على سبيل المثال، زلزال بقوة 6 درجات على مقياس ريختر يطلق طاقة أكبر بعشرة أضعاف من زلزال بقوة 5 درجات.
الجدير بالذكر أن مقياس ريختر ليس له حد أقصى، ولكن الزلازل ذات القوة العالية للغاية هي نادرة الحدوث. على الرغم من أهمية مقياس ريختر، إلا أنه لا يزال هناك بعض القيود على استخدامه، حيث أنه مصمم بشكل أساسي لقياس الزلازل الضحلة التي تحدث في مناطق معينة، وقد لا يكون دقيقًا لقياس الزلازل العميقة أو تلك التي تحدث في مناطق أخرى من العالم.
مخترع مقياس ريختر
يُعد مقياس ريختر أحد أهم الأدوات التي يستخدمها العلماء لقياس قوة الزلازل وتحديد شدتها، وقد تم تطويره عام 1935 على يد العالم الأمريكي تشارلز فرانسيس ريختر، وهو فيزيائي متخصص في دراسة الزلازل. عمل ريختر في مختبر الزلازل التابع لمؤسسة كارنيغي في واشنطن، حيث بدأ رحلته في عالم الزلازل، ثم انتقل إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا لتدريس الفيزياء وعلم الزلازل، مواصلاً بذلك مسيرته البحثية في هذا المجال.
يُعتبر ريختر شخصية محورية في تاريخ دراسة الزلازل، فقد ساهم اختراعه لمقياس يحمل اسمه في فهمنا الأعمق لهذه الظاهرة الطبيعية المدمرة، مما ساعد في تطوير أنظمة الإنذار المبكر وبناء المباني المقاومة للزلازل.
تاريخ مقياس ريختر
تم تطوير مقياس ريختر عام 1935 على يد تشارلز فرانسيس ريختر بهدف تصنيف الهزات الزلزالية المحلية في كاليفورنيا، حيث اعتمد في البداية على قياس سعة الموجات الزلزالية المسجلة على سيزموجراف معين ضمن مسافة محددة. ومع ذلك، أظهر هذا المقياس الأولي قيودًا في دقته، خاصةً بالنسبة للزلازل القريبة.
في محاولة لتحسين الدقة، اقترح ريختر وغوتبورغ عام 1936 مقياسًا جديدًا يعتمد على قياس سعة الموجات السطحية للزلازل البعيدة، وهو المقياس الذي لاقى قبولًا واسعًا واستخدم لسنوات طويلة، خاصة في التقديرات الأولية لقوة الزلازل. وفي عام 1956، قدم الثنائي مقياسًا آخر يستند إلى قياس الموجات الصوتية.
على الرغم من تطور مقياس ريختر، إلا أنه يواجه تحديات عدة. فهو لا يقيس الطاقة المنبعثة من الزلزال بشكل مباشر، كما أنه يواجه صعوبة في تقدير قوة الزلازل الكبيرة ذات المدة الزمنية الطويلة، كما حدث في زلزال تشيلي عام 1960.
لتجاوز هذه القيود، قدم هيرو كاناموري عام 1970 مقياسًا جديدًا يعتمد على حساب عزم الزلزال، وهو مقياس مرتبط بشكل مباشر بالطاقة المنبعثة. وعلى الرغم من أن هذا المقياس يتطلب وقتًا أطول للحساب، إلا أنه يعتبر حاليًا أكثر الدقة والمستخدمة على نطاق واسع لتقدير قوة الزلازل.
كيفية قياس قوة الزلازل بمقياس ريختر
مقياس ريختر يقيس الطاقة المنبعثة خلال حدوث الزلزال. يعتمد هذا المقياس على قياس سعة الموجات الزلزالية التي تسجلها أجهزة قياس الزلازل مثل مقياس وود أندرسون، والتي تقيس الزلازل التي تقع على مسافة 100 كيلومتر. يرتبط حجم الزلزال بطول وعمق الصدع الأرضي الناتج عن انكسار الصخور وانزلاقها، مما يؤدي إلى تحرك كبير للأرض. وبالتالي، فإن مقياس ريختر يحسب حجم الزلزال، أي كمية الطاقة المنطلقة، استنادًا إلى البيانات التي تجمعها أجهزة قياس الزلازل حول سعة الموجات الزلزالية الناتجة عن حركة الصخور.
في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، وبينما كان تشارلز ريتشر يدرس زلزالاً هز كاليفورنيا، ابتكر مقياساً جديداً لقياس قوة الزلازل. استند ريتشر في ابتكاره هذا على أجهزة قياس الزلازل الحساسة التي تكبر الحركة الأرضية آلاف المرات، حيث حدد قيمة صفر كقوة للزلزال الذي يسبب حركة أرضية لا تتجاوز جزءاً من الألف من المليمتر على مسافة 100 كيلومتر من مركزه. وبناءً على هذا الأساس، كلما زادت حركة الأرض الناتجة عن الزلزال، ارتفعت قيمته على المقياس.
فزلزال بقوة 3 درجات على سبيل المثال، يعني أن حركة الأرض فيه أكبر ألف مرة من الزلزال الذي قوته صفر. أما الزلازل الكبيرة جداً، كالتي تصل قوتها إلى 8 درجات، فتسبب حركات أرضية هائلة يصعب قياسها مباشرة بالأجهزة القريبة من مركز الزلزال، لذلك يلجأ العلماء إلى تحليل البيانات المسجلة في محطات قياس بعيدة، حيث تظهر هذه الحركات الأرضية الشديدة على شكل اهتزازات صغيرة نسبياً. وعلى سبيل المثال، زلزال بقوة 8 درجات قد يسبب اهتزازاً يبلغ طوله بوصة ونصف على مسافة 100 كيلومتر من مركزه، وذلك بعد تكبير الإشارة المسجلة بواسطة أجهزة القياس الحساسة.
مقياس ريختر ليس مقتصراً على الأرقام من 1 إلى 10 فحسب، بل يتسع لقياس الزلازل الضعيفة جداً التي قد تصل قيمتها إلى الصفر أو حتى الأرقام السالبة، مما يعكس مدى حساسيته في رصد حتى أضعف الهزات الأرضية. وعلى الرغم من أن الزلازل الصغيرة تتكرر بكثرة، إلا أن أجهزة الرصد عادة ما تستطيع اكتشاف الزلازل التي تساوي 3 درجات على الأقل، أي تلك التي تعادل انفجار مفرقعات صغيرة على عمق 8 كيلومترات تقريباً.
وفي الطرف الآخر من المقياس، لم تسجل أي زلازل بقوة تفوق 9 درجات حتى الآن. من الجدير بالذكر أن قوة الزلزال، كما يقيسها مقياس ريختر، هي قيمة ثابتة لا تتأثر ببعدنا عن مركز الزلزال، فهي تعبر عن الطاقة المنبعثة من بؤرة الزلزال. أما شدة الزلزال وآثاره المدمرة، فهي التي تتغير بتغير المسافة والظروف الجيولوجية للمنطقة المتأثرة، فزلزال بقوة 5 درجات سيظل بقوة 5 درجات أينما قيس على سطح الأرض.
كم عدد درجات مقياس ريختر
مقياس ريختر هو مقياس كمي يستخدم لتحديد قوة الزلازل، ويتكون من عشر درجات تتراوح بين الصفر والعشرة. صمم هذا المقياس في الأساس لقياس الزلازل المتوسطة القوة التي تتراوح شدتها بين 3 و7 درجات، ولكن تم تطويره لاحقًا ليشمل الزلازل الأصغر والأكبر. يعتمد المقياس على تحديد أكبر موجة زلزالية يتم رصدها، ويستخدم اللوغاريتمات في حساب قيمته، حيث تمثل زيادة درجة واحدة زيادة بمقدار عشرة أضعاف في قوة الزلزال وزيادة في الطاقة تبلغ حوالي 31 ضعف الدرجة السابقة. الجدير بالذكر أن مقياس ريختر قادر على قياس زلازل ذات قوى سالبة، وهي زلازل صغيرة جدًا لا يشعر بها الإنسان.
درجات مقياس ريختر
نذكر في الجدول التالي درجات مقياس ريختر مع وصفها والتأثيرات التي تحدث عند كل درجة:
درجة ريختر | الوصف | التأثير |
---|---|---|
أقل من 2.0 | دقيق | لا يشعر به أحد |
2.0 إلى 2.9 | صغير | لا يشعر به أحد، ولكن يتم رصده |
3.0 إلى 3.9 | صغير | يشعر به الناس، ولكنه لا يسبب أضرارًا في العادة |
4.0 إلى 4.9 | خفيف | يتسبب في حركة الأشياء، ولكنه لا يسبب أضرارًا جسيمة |
5.0 إلى 5.9 | متوسط | يتسبب بأضرار في المباني الضعيفة، ولكنه لا يؤثر على المباني المبنية بشكل جيد |
6.0 إلى 6.9 | قوي | قد يكون مدمر، ويصل تأثيره إلى 160 كيلومتر في المناطق المسكونة |
7.0 إلى 7.9 | كبير | قد يتسبب بمخاطر كبيرة لمساحات كبيرة |
8.0 إلى 8.9 | عظيم | قد يتسبب بأضرار كبيرة لمساحات تصل إلى عدة أميال |
9.0 إلى 9.9 | مدمر | يدمر مساحات تصل إلى آلاف الأميال |
10.0 | – | لم تُسجل بعد |
هل هناك عيوب في استخدام مقياس ريختر؟
رغم أن مقياس ريختر يعتبر أداة أساسية في قياس قوة الزلازل، إلا أنه ليس خالياً من العيوب. فمن أبرز هذه العيوب عدم دقة تحديد الشدة الزلزالية بشكل مطلق، حيث لا تتناسب درجات المقياس بالضرورة مع الأثر الفعلي للزلزال على المناطق المختلفة نظراً لاختلاف طبيعة التربة والتضاريس.
كما أن المقياس لا يأخذ في الاعتبار أن بعض الزلازل المتوسطة القوة قد تسبب أضراراً بالغة في بعض المناطق، بينما قد تمر زلازل أخرى ذات قوة أكبر دون أن تترك آثاراً دمارية. بالإضافة إلى ذلك، تتأثر قراءة المقياس بشكل كبير بموقع الجهاز المستخدم، سواء كان تحت سطح الأرض أم فوقه، مما يؤثر على دقة القياسات.
مقاييس أخرى للزلازل
- مقياس ميركالي المُعدّل
اخترع هذا المقياس العالم ميركالي في عام 1902م، وهو طريقة أخرى لقياس شدّة الزلزال، إذ يعتمد هذا المقياس على ملاحظات الناس الذين تضرّروا من الزلزال ومقدار الدمار الذي أحدثه لتقدير شدته، ويُقسم المقياس إلى اثنتي عشرة درجة تبدأ من اهتزاز غير محسوس وتنتهي بدمار كارثي، ويُرمز لهذه الدرجات بالأرقام الرومانية.
- مقياس درجة العزم
يعمل مقياس درجة العزم (MW) على نطاق واسع ويستطيع قياس الزلازل ذات الحجم الكبير التي لا يستطيع مقياس ريختر والمقاييس الأخرى تسجيلها، إذ يعتمد هذا المقياس على تسجيل الطاقة التي صدرت عن الزلزال لحظة حدوثه، وتقدير شدّته من المسافة التي تحرّكها الصخر عند حدوث الصدع والقوة المطلوبة لتحريكه، كما يقيس مقياس درجة العزم الزلازل بنفس الدقة التي يقيسها مقياس ريختر للزلازل الصغيرة، إلّا أنّه اكثر دقة من مقياس ريختر للزلازل بقوة 8 درجات وأكثر.
يعتمد تحديد حجم الزلزال في مقياس درجة العزم على مقياس لوغاريتمي، حيث إنّ كلّ عدد صحيح يرتفع على مقياس الحجم يُمثّل زيادةً في سعة الحركة الأرضية المُسجّلة بمقدار عشر مرّات من حيث الشدّة و32 ضعفاً من حيث الطاقة المُحرّرة، فزلزال قوته 5 سيؤدّي الى إحداث اهتزاز أقوى بعشرة أضعاف من زلزال قوته 4، وعند مقارنة ذلك من حيث الطاقة المنبعثة من المتفجرات، فإنّ زلزالاً بدرجة 1 يُطلق طاقةً تُعادل تفجير 170 غرام من مادة (TNT).
وهذا يعني أنّ زلزالاً بقوة 8 درجات يُطلق طاقةً تُعادل تفجير 6 ملايين طن من مادة (TNT)، ويُمكن استخدام مقياس درجة العزم لقياس الزلازل الصغيرة جداً والتعبير عنها بأرقام سلبية، كما أنّه لا يحتوي على حدّ أعلى لذلك يستطيع أن يُسجّل الزلازل التي يصعب تصوّرها ولم تحدث سابقاً؛ كأن تكون قوتها 10 درجات فأكثر.