أنماط التفكير هي الطرق المختلفة التي يستخدمها الأفراد لمعالجة المعلومات وفهم العالم من حولهم. تُشكل هذه الأنماط العدسات التي نرى من خلالها الأحداث والمواقف، وتؤثر بشكل كبير على قراراتنا وسلوكياتنا. تتنوع أنماط التفكير بين المنطقي والإبداعي والنقدي وغيرها، وفهم هذه الأنماط يُساعدنا على فهم أنفسنا والآخرين بشكل أفضل، وتحسين قدراتنا على حل المشكلات واتخاذ القرارات بفاعلية أكبر. في هذا الموضوع، سنتناول أهم أنماط التفكير وكيفية تأثيرها على حياتنا.
أنماط التفكير الإيجابي
يتميز التفكير الإيجابي بتنوع أنماطه، التي تُساعد بدورها على تحقيق الرضا في الحياة وتعزيز التفاؤل واحترام الذات. نستعرض فيما يلي بعضًا من هذه الأنماط:
التفكير التجريدي (Abstract thinking)
يُعرف أيضًا بالتفكير التصوري، وهو نمطٌ متقدم من الإدراك يتضمن تجاوز نطاق الموضوع قيد الدراسة، ليشمل طيفًا واسعًا من العناصر، والمبادئ، والألسن وغيرها مما يخطر في الذهن. يتجه الفرد ذو التفكير التصوري إلى تخطي حدود محيطه الحسي الضيق، ما يُتيح له استيعاب الكون وآراء غيره. من الخصائص المميزة الأخرى للتفكير التصوري أن حامله لا يقتصر على النطاق المحدود لتجاربه المعيشية، بل ينفتح على استطلاع الرؤى المتباينة بلا قيود.
التفكير الإبداعي (Creative thinking)
يتميز هذا النمط من التفكير بأنه واسع النطاق، كما يمارسه الأفراد الذين لا يرغبون بحصر أنفسهم في نطاق العقل والمنطق، ويتضمن السعي للتوصل لأفكار ومفاهيم جديدة بناءً على تجارب الحياة والتعلم السابقة، كما يتميز التفكير الإبداعي أنه واسع الحدود، ومنفتح على الاستكشاف، ويدخل فيه الاعتماد على الحدس.
التفكير التأملي (Reflective thinking)
يعتمد هذا النمط من التفكير البنّاء على التدبر العميق في الخبرات السابقة، وما يمتلكه الشخص من معارف وقدرات، من أجل التوصل إلى حلول للمشكلات ذات الطبيعة المعقدة؛ بمعنى أنه عندما يواجه الفرد وضعًا ما، فإنه يبدأ بدراسة خبراته ذات الصلة بهذا الوضع، ثم يقوم بتنظيم مهاراته والمعلومات والبيانات المتاحة لديه حول المشكلة التي يعرفها بشكل عقلاني، يليه تحليل الموقف من جميع جوانبه، ثم اتخاذ القرار الأمثل، ومن الجدير بالذكر أن التفكير المتأني يُساهم أيضًا في منع التهور في اتخاذ القرارات السريعة.
التفكير غير الموجه (Non-directed thinking)
يمكن استنتاج ماهية هذا النمط من التفكير من اسمه، حيث يتسم بالتدفق الحر للأفكار نتيجة ممارسة التفكير بطريقةٍ غير موجهة، تتضمن إطلاق العنان للخيال.
التفكير النقدي (Critical thinking)
من خلال مهارات التصور، والتفسير، والتحليل، والتوليف، والتقييم، يهدف هذا النمط المنضبط والمتطور من التفكير إلى الوصول إلى أحكام صحيحة وغير متحيزة. يُمكن استخدام التفكير النقدي، أو التفكير الناقد، في حل المشكلات، وترتيب وتصنيف الأفكار، واكتشاف الحقائق، مع الابتعاد عن التأثيرات الشخصية كالمعتقدات والآراء والافتراضات والأحكام المسبقة.
التفكير الإيجابي المركز على الماضي والحاضر والمستقبل
يُعنى التفكير الإيجابي الذي يُركز على الماضي(بالإنجليزية: Past-focused positive thinking) باستخلاص الجوانب الإيجابية من التجارب السابقة، حتى وإن كانت سلبية في الأصل، وذلك من خلال التعلم منها واستخلاص العبر.
يُعنى التفكير الإيجابي المُركز على الحاضر (Present-focused positive thinking) بالتركيز على إدارة التحديات التي نواجهها في الوقت الحالي بطريقة فعّالة، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على تقليل مستويات التوتر وزيادة الإحساس بالرضا عن مجمل الحياة.
يعتمد التفكير الإيجابي المُركّز على المستقبل (Future-focused positive thinking) بشكل أساسي على تجنّب تكوين توقعات أو أفكار سلبية بشأن أحداث مستقبلية لم تقع بعد.
أنماط التفكير السلبي
بينما يُعزز التفكير الإيجابي جوانب الحياة المختلفة، يُخلّف التفكير السلبي آثارًا سلبية واضحة على الفرد، حيث يُؤثّر سلبًا على صحته النفسية ومجالات حياته المتنوعة، كشخصيته وحياته المهنية. من الأمثلة على أنماط التفكير السلبي:
التفكير الأسود والأبيض (Black-and-white thinking)
يُمثل التفكير الأبيض والأسود نمطًا معرفيًا يُختزل فيه الواقع إلى ثنائية حادة، حيث تُصنف الأشياء، سواءً كانت أشخاصًا أو مواقف، إما على أنها إيجابية بالكامل أو سلبية بالكامل. هذا النمط يُنكر وجود أي حلول وسط، ويُمثل انحيازًا في إدراك الواقع ناتجًا عن عدم استيعاب تعقيداته.
من بين الأمثلة التي تُوضح طبيعة التفكير الأبيض والأسود، نجد أن الشخص الذي يتبنى هذا النمط يميل إلى اعتبار نفسه فاشلًا بشكل كامل إذا لم تُحقق مهمته النتائج التي كان يتوقعها بدقة، حتى لو كانت هناك جوانب إيجابية في النتيجة. إضافةً إلى ذلك، غالبًا ما يعتقد هؤلاء الأشخاص أنهم لن يُحققوا أي نجاح في حياتهم، وينظرون إلى الآخرين على أنهم يُعيقون تقدمهم ويمنعونهم من تحقيق أهدافهم، كما أنهم يُصرون على أن أي شيء لا يكون مقبولًا إلا إذا كان مُكتملًا تمامًا وبدون أي نقص.
التهويل (Catastrophising)
يُسمى هذا النمط من التفكير “تقدير الكوارث”، وهو يعني المبالغة في توقع أسوأ السيناريوهات الممكنة، حتى في المواقف البسيطة. هذا يُحوّل المواقف العادية إلى كوارث مُتخيّلة، حيث يقفز العقل إلى استنتاج نهايات كارثية مُبالغ فيها، ممّا يُؤدي إلى الشعور بالقلق والتوتر غير المُبرر.
ليس بالضرورة أن يكون الأشخاص الذين يميلون إلى تهويل الأمور مُبالغين في ردود أفعالهم كما قد يظن البعض، بل إن هذه المبالغة قد تكون ناتجة عن تجارب مؤلمة سابقة أثرت سلبًا على طريقة تفكيرهم. فعلى سبيل المثال، قد يعتقد هؤلاء الأشخاص أن التأخر عن اجتماع عمل سيُفضي إلى فقدان الوظيفة والمنزل، أو أن عدم رد شريك الحياة على الهاتف يُنذر بالانفصال، أو أن الذهاب إلى الطبيب البيطري يعني موت الحيوان الأليف.
التعميم الزائد (Overgeneralisation)
المبالغة في التعميم، أو التعميم المفرط، هي أن يجعل الشخص من حدثٍ ما في حياته نموذجًا يُطبقه على كل جوانب حياته المُستقبلية، فيستنتج سلبية مُطلقة بناءً على تجربة واحدة أو أكثر. على سبيل المثال، إذا فشل الشخص في مشروع واحد، فقد يستنتج أنه سيفشل في كل المشاريع القادمة.
غالبًا ما يغفل الأشخاص الذين يميلون إلى التعميم المفرط عن حقيقة أن الحياة معقدة ومتغيرة باستمرار، مما يجعل إصدار تعميمات شاملة أمرًا غير ممكن. هذا النمط من التفكير يُعيق حياتهم ويُسبب لهم مشاكل في جوانب عديدة. من الأمثلة على هذا التعميم الزائد الاعتقاد بأن الفشل في وظيفة ما يُنبئ بعدم الاستقرار الوظيفي بشكل دائم، أو أن تجربة عاطفية سلبية تعني استحالة الزواج والعثور على شريك مناسب، أو أن الفقر عند الولادة يُحتم استمرار الوضع على ما هو عليه طوال الحياة.
اللوم (Blaming)
في نمط التفكير السلبي، يميل الشخص إلى إلقاء اللوم على نفسه في المواقف التي لا يُمكنه التحكم بها، أو على الآخرين حتى عندما لا يكونون مسؤولين عن النتائج. هذا السلوك يُعتبر آلية دفاعية لتجنب الشعور بالذنب أو المسؤولية. مثال على ذلك، لوم الزوج لزوجته على عدم ضبط المنبه وتسببه في تأخره عن العمل، رغم أن مسؤولية ضبط المنبه تقع على عاتقه.
المنطق العاطفي (Emotional reasoning)
يتمثل هذا النمط من التفكير السلبي في اقتناع الشخص المطلق بصحة ما يشعر به تجاه نفسه، حتى وإن كان سلبيًا. فمثلًا، إذا شعر شخص بأنه ممل، فإنه يُصدق هذا الشعور تمامًا، ما يدفعه إلى تبني سلوكيات تُؤكد هذا الشعور، كالعزلة وتجنب المناسبات الاجتماعية والأنشطة المُبهجة، ليُصبح في النهاية مملًا بالفعل.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.