السنوريات، أو عائلة الهرّيات والقطط، هي حيوانات ثدية لاحمة يُطلق على بعضها اسم “الماكرة” وهو مصطلح خاص بمجموعة معينة منها. تتفاوت أحجام هذه العائلة بين القطط الصغيرة كالأنواع المنزلية والوشق، والحيوانات الضخمة كالأسد والنمر التي تحتل قمة السلسلة الغذائية كمفترسات قوية.
تعتمد الأنواع البرية من السنوريات على الصيد للحصول على غذائها، مستخدمةً مخالبها للإمساك بالفريسة، وأسنانها وأنيابها للافتراس، وأضراسها لتقطيع اللحوم. كما تساعدها حاسة البصر القوية على تحديد الفريسة حتى في الإضاءة الخافتة، إذ تُعتبر فترتا الصباح الباكر وأواخر المساء أفضل أوقات الصيد لديها.
تتحرك السنوريات على أطرافها الأربعة، حيث تتميز أطرافها الخلفية بأنها أطول وأقوى من الأمامية، وهو ما يمنحها القدرة على الركض والقفز ببراعة، كما يساعدها ذيلها الطويل في الحفاظ على التوازن. يغطي أجسامها فراء كثيف يتميز بنقشات وألوان متنوعة تختلف باختلاف أنواعها. وخلافًا لباقي الحيوانات اللاحمة، تمتلك السنوريات مخالب قابلة للسحب، ما يحميها من التلف والاحتكاك.
التصنيف والأنواع
تنتمي عائلة السنوريات (Felidae) إلى رتبة اللواحم (Carnivora) ضمن طائفة الثدييات. تُقسم هذه العائلة إلى فصيلتين فرعيتين رئيسيتين (تحت عائلتين)، وهما:
1- (Pantherinae) أو عائلة القطط الكبيرة وتضم جنسين وسبعة أنواع:
- جنس النمور Panthera ويضم بشكل أساسي أنواع الأسد والنمر والاليغور والببر.
- جنس القطط الجديد Neofelis، ويضم الفهد المرقط.
2- (Felinae) عائلة القطط الصغيرة وتضم 12 جنسًا و 33 نوعًا، أهمّها Felis جنس القطط المنزلية الداجنة.
مع أن عائلة السنوريات تُقسم إلى فصيلتين فرعيتين، إلا أن تصنيف أنواعها يظل مهمة بالغة الصعوبة، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى التشابه الكبير بين هذه الأنواع على المستويين المورفولوجي (الشكلي الخارجي) والتشريحي (البنية الداخلية). هذا التشابه يجعل التمييز بينها أمرًا دقيقًا للغاية.
فمثلًا، يصعب في كثير من الأحيان التمييز بين جمجمة الأسد وجمجمة النمر، إذ تتشارك جميع أنواع القطط في سمات أساسية كالرأس المستدير والهيكل العظمي المتشابه إلى حد كبير. هذا التشابه ليس مصادفة، بل يعكس حقيقة أن جميع هذه الأنواع تنحدر من سلف مشترك واحد عاش على الأرض منذ ما يقارب 10 إلى 12 مليون سنة.
بعد ذلك، بدأت هذه الأنواع في الانتشار والتوزع في مختلف أنحاء العالم، لتستوطن بيئات متنوعة وتتكيف مع ظروفها، إلا أن هذا الانتشار لم يشمل جميع المناطق، حيث تُستثنى من ذلك بعض المناطق الجغرافية المحددة، مثل القطب الجنوبي، وقارة أستراليا، وجزيرة مدغشقر، وجزر اليابان، ونيوزيلندا.
الوظائف والتشريح
لقد ساهمت الدراسات التشريحية المُعمقة للسنوريات بشكل كبير في فهمنا للأسرار الكامنة وراء رشاقتها وخفة حركتها الاستثنائية، وهي الصفات التي لطالما أثارت إعجابنا. من بين أبرز الملاحظات التشريحية التي كشفت عن هذه الأسرار، نذكر ما يلي:
- تضاؤل حجم عظم الترقوة وانفصاله عن العظام الأخرى، وتواجده بين عضلات الكتف، مما يحمي الحيوان من كسر عظامه أثناء وقوفه على الفريسة.
- تدعم الأرجل الخلفية بعضلات قوية تساعد على دفع القط نحو الأمام عند الانقضاض على الفريسة، بالإضافة للعضلات الداعمة للعمود الفقري.
- تكيفت عيونها على الرؤية في الليل، فشبكيتها مزودة بطبقة إضافية من الجوانين، مما يسبب انعكاس الضوء عنها وتألقها ليلًا، أما حاسة الشم لديها فهي ضعيفة مقارنة بالكلاب ويمكن تفسير ذلك بصغر أنفها.
- تُعدّ القطط من أمهر الحيوانات المفترسة، بسبب بنيتها المميزة، فبالإضافة للأطراف القوية لديها دماغ كبير، وأنياب قوية لطعن وتثبيت الفريسة، وأضراس لتقطيع اللحم، وجهاز هضمي بسيط، ولسان مزود بأشواك خشنة تميل للخلف تساعد في التنظيف وامتصاص السوائل.
- من حيث السلوك، تعد القطط كائنات نظيفة، تنظف نفسها بلسانها الخشن، وتغطي برازها وبولها في التراب، ولكنها عمومًا تخشى الماء أو لا تفضله فتتجنبه إلا عند الضرورة، كما تتميز جميع أنواع القطط بعادة هز الذيل، وهي أسلوب للعب عند الصغار، ومقدمة للافتراس عند الكبار.
سلوك السنوريات
- في حين تعيش بعض الأنواع كأزواج، إلا أن أنواعًا أخرى كالأسود تعيش في جماعات عائلية، وتمارس في يومها الاصطياد وتنظيف نفسها والنوم، فتحتاج القطط للنوم لأكثر من ثلثي اليوم، لتعويض طاقة الصيد، وبسبب انخفاض درجة حرارة أجسامها خلال النوم تعمد للبحث عن البقع الدافئة أو المشمسة للنوم فيها.
- تتمتع معظم القطط بالرشاقة والتوازن خلال حركتها وجريها، وتساعدها المخالب القابلة للسحب (باستثناء الفهد) على القفز والتشبث، وتمشي على أصابع أطرافها فقط مما يزيد من سرعنها خلال الجري، وتتميز عن باقي الحيوانات بقدرتها على السقوط باستقامة، فتهبط على أطرافها الأربعة، بسبب قدرتها على توجيه رأسها أولًا ثم جسدها بما يسمى منعكس التصحيح.
- يتعلم الصغار الصيد إما بشكل غريزي، أو بالتعليم بعد إعادة الأم لتمثيلية الصيد على فريسة ميتة، أو على طريدة مصابة، فتعلمها كيفية قتل الفريسة بأنفسهم، ثم الذهاب في رحلة صيد حقيقية لتمارس المطاردة وقتل الفريسة حتى تحترف الصيد.
- تعيش القطط في أقاليم صغيرة خاصة بها، وتعمد إلى تحديد حدود إقليمها إما بالتبول على الأطراف، أو بفرك جسدها بالأشجار أو الأشياء الثابتة المحيطة حتى تعلق رائحتها عليها، وفي موسم التزاوج تتداخل المناطق مع بعضها، أو يستدرج الذكر الأنثى لإقليمه، أو تجذبه هي بصوت خاص تصدره تعبيرًا منها عن استعدادها للتزاوج.
- خلال التزاوج تعمد القطط على تكرار الاتصال الجنسي لضمان حدوث الإباضة، وحتى الحمل الذي يستمر لمدة تتراوح بين أقل من 60 يومًا للقطط الصغيرة، في حين تتجاوز 115 يومًا للقطط الكبيرة كالأسود، وتحتضن عادة أربعة قطط صغيرة وسطيًّا، ترعاها الأم حتى الفطام وتعليمها الصيد باستثناء الأسود.
أهم أنواع السنوريات
أكثر الحيوانات إثارةً، حتى أصبحت أكثرها عرضة للانقراض، ومنها:
النمر (Panthera Tigris)
يُعتبر النمر السيبيري أكبر أعضاء جنس النمر (Panthera)، حيث يصل وزنه في بعض الأحيان إلى ما يقارب 320 كيلوغرامًا، مما يجعله من بين أضخم السنوريات على الإطلاق. وقد واجه هذا النوع تحديات كبيرة في العقود الأخيرة، حيث أصبح مُهددًا بالانقراض بشكل خطير نتيجة لعدة عوامل من بينها فقدان الموائل والصيد الجائر.
إلا أن الجهود المبذولة في مجال الحماية، وخاصةً في مناطق شرق روسيا، قد ساهمت بشكل كبير في إنقاذ هذا النوع من مصير الانقراض المُحتم. فبفضل هذه التدابير، تم الحفاظ على أعداد مُعتبرة من النمور السيبيرية في بيئتها الطبيعية. أما بالنسبة للنمور البنغالية، وهي نوع آخر من جنس النمر، فيُمكن مُشاهدة غالبية أفرادها حاليًا في دولة الهند، حيث تُوجد برامج حماية مُخصصة لها في المحميات الطبيعية.
الأسد (Panthera Leo)
يُعتبر الأسد ثاني أكبر السنوريات حجمًا على مستوى العالم، إلا أنه شهد انخفاضًا حادًا في أعداده خلال الفترات الأخيرة، ممّا أدى إلى انحسار وجوده في مجموعات متفرقة في القارة الإفريقية، بالإضافة إلى مجموعة واحدة فقط مهددة بالانقراض تعيش في أحد المنتزهات الوطنية في الهند.
يُضاف إلى ذلك الانقراض المؤسف للأسد البربري، الذي كان ينتشر سابقًا في مناطق شمال إفريقيا، تحديدًا في دول مصر والمغرب والجزائر، ليصبح اليوم مجرد ذكرى في تاريخ هذه المنطقة. هذا الانخفاض الملحوظ في أعداد الأسود يسلط الضوء على الحاجة الماسة إلى بذل جهود مكثفة لحماية ما تبقى من هذه المخلوقات المهيبة من خطر الانقراض الوشيك.
القطط الصغيرة
لم تحظى بشهرة القطط الكبيرة، ولكنها أكثر انتشارًا في البرية، إلا في استراليا والقارة القطبية الجنوبية، باستثناء بعض الأنواع المنزلية التي وصلت مع المستوطنين إلى أستراليا، ومنها:
الفهد (Acinonyx Jubatus)
تُعتبر هذه الكائنات من بين أسرع الحيوانات على وجه الأرض، حيث تتميز بقدرة فائقة على الانطلاق بسرعة تصل إلى 96 كيلومترًا في الساعة خلال فترة زمنية قصيرة للغاية لا تتجاوز ثلاث ثوانٍ فحسب، ما يجعلها من بين الكائنات الأكثر رشاقة ودهاءً في عالم الحيوان.
إضافةً إلى سرعتها الفائقة، تتمتع هذه الحيوانات بقدرة مذهلة على التكيف مع الظروف المناخية القاسية، وخاصةً الارتفاع الشديد في درجات الحرارة الذي تشهده القارة الإفريقية، حيث تستطيع التأقلم مع هذه الظروف الصحراوية القاسية بشكل يسمح لها بالبقاء على قيد الحياة دون الحاجة إلى شرب الماء إلا مرة واحدة كل أربعة أيام.
وهو تكيف فريد من نوعه يمنحها ميزة كبيرة في البقاء في هذه البيئات الجافة. أما عن مناطق انتشارها، فهي تتواجد بشكل رئيسي في القارة الإفريقية، حيث تُعتبر موطنها الأصلي، إلا أنها تُوجد أيضًا بأعداد قليلة في مناطق مُحددة من دولة إيران.
القط الصدئ (Prionailurus rubiginosus)
يُعتبر هذا النوع من أصغر القطط البرية حجمًا، إلا أنه يتميز بسرعة فائقة تجعله من بين أسرعها على الإطلاق. تُمكنه هذه السرعة من اصطياد فرائسه بكفاءة عالية، والتي تتكون غالبًا من القوارض الصغيرة والطيور الضعيفة، حيث يعتمد في صيده على حركات سريعة ومندفعة تكشف عن رشاقة وقدرة فائقة على المناورة.
يتراوح وزن هذه القطط الصغيرة حول 1.6 كيلوغرامًا فقط، مما يُبرز صغر حجمها، كما أن طولها لا يتجاوز في أغلب الأحيان حاجز النصف متر، أي 50 سنتيمترًا. يُعتبر هذا النوع من القطط شائع الانتشار في مناطق محددة من قارة آسيا، حيث يُمكن رؤيته بكثرة في كل من الهند وسريلانكا، وهما موطنه الأصلي الذي يزدهر فيه.
القط الرملي (Felis margarita)
يستوطن هذا الكائن الفريد مناطق صحراوية شاسعة تمتد عبر شمال إفريقيا والشرق الأوسط وصولًا إلى آسيا الوسطى. يُعدّ الفراء الكثيف الذي يكسو جسده بمثابة درع واقٍ يحميه من قسوة برد ليالي الصحراء القارسة، حيث تنخفض درجات الحرارة بشكل كبير.
وللتكيف مع حرارة الرمال الشديدة خلال النهار، طوّر هذا المخلوق آلية طبيعية فريدة تتمثل في وجود خيوط من الفراء الأسود السميك تُبطّن باطن قدميه، فتُشكّل عازلًا فعالًا يمنع احتراقها بفعل حرارة الرمال الملتهبة. يُمكن لمحبي الطبيعة وعشاق الحياة البرية مشاهدة هذا الكائن في بيئته الطبيعية في الصحراء الغربية الكبرى، أو في بعض المنتزهات الوطنية في تونس التي تُحافظ على هذه الأنواع النادرة.