استمرت الدعوة إلى الإسلام والتبشير به ونشره بين الناس حتى بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث لم تتوقف مسيرة الدعوة بل اتخذت أشكالاً مختلفة وامتدت إلى مناطق جغرافية أوسع، وقد أدت هذه الجهود الدعوية المتواصلة والانتشار الواسع للدين الإسلامي إلى سلسلة من الأحداث والتطورات التاريخية الهامة التي عرفت باسم الفتوحات الإسلامية، والتي كان لها أثر بالغ وعميق في تغيير شكل الخارطة السياسية والاجتماعية والثقافية للعالم في تلك الفترة.
ما هي الفتوحات الإسلامية
تُعرَّف الفتوحات الإسلامية بأنها سلسلة من الحملات العسكرية والتوسعات التي انطلقت بهدف نشر الدعوة الإسلامية وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية، حيث شهدت هذه الفترة حركة نشطة لنشر الإسلام في مناطق مختلفة من العالم. ومع ذلك، لم يخلُ هذا التوسع من مواجهات عسكرية واشتباكات مع قوى أخرى، حيث اصطدم المسلمون بشعوب وحضارات مختلفة، ما أدى إلى نشوء صراعات على جبهات متعددة، من أبرزها المواجهة مع الإمبراطورية الفارسية في الشرق، وكذلك مع قبائل الأمازيغ في شمال أفريقيا.
تعود بدايات هذه الفتوحات إلى عام 632 ميلادي، وهو العام الذي شهد أيضًا بداية عهد الخلفاء الراشدين، الذين تولوا قيادة الدولة الإسلامية بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. يُعتبر عهد الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه نقطة انطلاق هذه الفتوحات، حيث بدأت في عهده أولى الحملات العسكرية لنشر الإسلام وتوسيع الدولة. استمرت هذه الفتوحات والتوسعات خلال فترة حكم الخلفاء الراشدين من بعده، واستمرت أيضًا خلال فترة الخلافة الأموية التي تلتها.
ومع أن الفتوحات الإسلامية استمرت لفترة طويلة وشملت مناطق واسعة، إلا أنها لم تستمر حتى نهاية الخلافة الأموية. تشير السجلات التاريخية إلى أن الخلافة الأموية انتهت في عام 750 ميلادي، بينما توقفت الفتوحات الإسلامية قبل ذلك بحوالي 18 عامًا، أي في عام 732 ميلادي تقريبًا. وهكذا، شهدت الفترة الممتدة من 632 إلى 732 ميلادي أوج حركة الفتوحات الإسلامية، التي تركت آثارًا عميقة في التاريخ والجغرافيا والثقافة في مناطق شاسعة من العالم.
ما قبل الفتوحات الإسلامية
حزن المسلمون بشدةٍ على وفاة النبي محمد في المدينة المنورة، ولكن كان لا بد من اختيار خليفةٍ لقيادة المسلمين وعدم ترك الفرصة لحدوث تزعزعٍ في ضلوع الدولة الإسلامية.
ولم يكن أمام المسلمين من هو أفضل من الصحابي أبو بكر الصديق لقيادة المسلمين، الذي يعتبر أول الخلفاء الراشدين وكان رفيق النبي وصاحبه في هجرته إلى المدينة المنورة. ويعتقد أن البداية التاريخية للفتوحات الإسلامية بعد وفاة النبي كانت مع أول خليفة من الخلفاء الراشدين.
أسباب الفتوحات الإسلامية
انطلقت حركة الفتوحات الإسلامية نتيجةً لتضافر مجموعة من العوامل والأسباب التي دفعت المسلمين إلى خوض غمار الجهاد والمعارك المتعددة في سبيل نشر الدعوة الإسلامية وإعلاء كلمة الحق.
يُعد ارتداد بعض القبائل العربية عن الإسلام بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما ترتب على ذلك من انتشار الفتن ومخاطر نشوب نزاعات أهلية داخل المجتمع الإسلامي الوليد، بمثابة الشرارة الأولى التي أوجبت على الخليفة الراشدي اتخاذ إجراءات حاسمة لوأد هذه الفتنة في مهدها.
ففي عام 632 ميلادية، انطلقت حروب الردة التي خاضها المسلمون ضد قبائل عربية سعت للانفصال عن الدولة الإسلامية، مدفوعةً بدوافع مختلفة، من بينها العصبية القبلية ورغبة بعض الزعامات في الحفاظ على نفوذها ومصالحها.
شكّلت حروب الردة منعطفًا هامًا في تاريخ الدولة الإسلامية، إذ أنها مثّلت أول خروج حقيقي للمسلمين من شبه الجزيرة العربية، حيث انتهت هذه الحروب بتوحيد شبه الجزيرة تحت راية إسلامية واحدة، الأمر الذي مهّد الطريق أمام المسلمين لتوجيه طاقاتهم نحو آفاق أوسع ونشر الدعوة خارج حدود الجزيرة.
وجدير بالذكر أن الأسباب الحقيقية للفتوحات الإسلامية لا تقتصر على مجرد التوسع العسكري وإقامة إمبراطورية إسلامية عالمية، كما صوّرتها بعض الكتابات التاريخية التي استخدمت مصطلحات مثل “الغزوات” و”الاحتلال”، بل كانت دوافعها أعمق وأشمل، حيث تمحورت حول نصرة المظلومين ورفع الظلم عنهم أينما كانوا، انطلاقًا من مبادئ العقيدة الإسلامية التي تحث على العدل والإحسان.
كما هدفت الفتوحات إلى مواجهة من وقف في وجه الدعوة الإسلامية وعرقل انتشارها، وحماية المسلمين من الفتن والاعتداءات التي قد يتعرضون لها بسبب دينهم، سواء داخل شبه الجزيرة العربية أو خارجها. فكانت الفتوحات بمثابة رد فعل طبيعي على التحديات التي واجهت الدولة الإسلامية في بداياتها، وسعيًا لنشر قيم الإسلام السمحة في ربوع الأرض.
حروب الفتوحات الإسلامية ونتائجها
لقد كانت أبرز الحروب في حقبة الفتوحات الاسلامية هي ما نشأ من نزاعاتٍ بين المسلمين والروم البيزنطيين والفرس الساسانيين وغيره. ونجحت هذه الفتوحات في تحرير الشام ومصر والعراق وفارس، وعند وفاة أبو بكر الصديق ظهر عمر بن الخطاب كالخليفة الثاني على المسلمين، وحدث في عهده المزيد من الانتشار والازدهار.
حيث تمت إقامة مدنٍ إسلاميةٍ عديدةٍ بقيادته كان منها الجديد ومنها القديم لكن حاز على قيادةٍ إسلاميةٍ، مثل الكوفة والفسطاط وغيرها الكثير بعد استمرار الدولة الأموية مثل حلب وحمص والبصرة وبغداد وغيرها.
التوسع الحقيقي للمسلمين حدث مع فتوحات الدولة الأموية التي كان معاوية بن أبي سفيان أول خلفائها، حيث قام الصحابي عبد الله بن عامر بن كريز بفتح منطقةٍ تدعى سجستان تقع حاليًا في شرق إيران وجزء منها في جنوب أفغانستان. ليس هذا فحسب بل أدت الفتوحات الإسلامية إلى امتداد الدولة الأموية من الشرق الأوسط إلى جزءٍ من الصين وفرنسا، واستطاعت بنجاحٍ فتح إفريقيا وإسبانيا وأجزاء أخرى من أوروبا وغيرها.
وبسبب هذه الفتوحات خسر البيزنطيون مناطقهم في الشام ومصر وشمال إفريقيا وكانت الفتوحات من الأسباب الرئيسية لانهيار مملكة الفرس. هذا وأدت الفتوحات إلى انتشار الحضارة الإسلامية في كافة بقاء الأرض وبناء المساجد والمكتبات في مختلف الأماكن العربية والأوربية وأيضًا زيادة انتشار اللغة العربية.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.