ما هي حالة الديجافو Deja Vu أو ظاهرة سبق الرؤية؟

تُعرف ظاهرة “سبق الرؤية” أو “الديجافو” (Déjà Vu) بأنها تجربة نفسية شائعة يمر بها العديد من الأفراد، حيث يشعرون فجأة بأنهم قد عاشوا اللحظة الراهنة بالفعل في الماضي، على الرغم من أنهم يدركون تمامًا أنها تحدث للمرة الأولى.

هذه الظاهرة، التي تحمل الاسم الفرنسي الذي يعني “شوهد من قبل”، تثير فضول العلماء والباحثين منذ فترة طويلة، وتسلط الضوء على تعقيدات الذاكرة والإدراك البشري. تتجلى هذه الظاهرة في مواقف متنوعة، مثل الشعور بالألفة تجاه مكان يزوره الشخص للمرة الأولى، أو الإحساس بمعرفة مسبقة بشخص يلتقي به لأول مرة.

يمكن أن يكون هذا الشعور عابرًا ومحيّرًا، أو قد يكون مصحوبًا بإحساس قوي باليقين بأن الحدث قد تكرر بالفعل. على الرغم من شيوع هذه الظاهرة، إلا أن الآليات العصبية والنفسية التي تقف وراءها لا تزال غير مفهومة تمامًا، وتخضع للبحث والدراسة المستمرة.

نظرًا للطبيعة العابرة والمفاجئة لظاهرة سبق الرؤية، فقد واجه الباحثون صعوبات جمّة في إجراء دراسات معمقة وشاملة حولها. إذ أن قصر مدة هذه الظاهرة وتكرارها غير المتوقع يجعلان من الصعب تتبعها وتسجيلها بدقة، مما أدى إلى بقائها لغزًا محيرًا في الأوساط العلمية.

ومع ذلك، فقد ظهرت عدة نظريات تسعى إلى تقديم تفسيرات محتملة لهذه الظاهرة الغامضة، وفي ما يلي أبرز هذه النظريات التي لاقت تأييداً من العلماء والباحثين على نطاق واسع:

نظريات متعلقة بالانتباه والإدراك

تشير النظريات المتعلقة بالانتباه والإدراك إلى أن ظاهرة الديجافو، أو ما يُعرف بالشعور المألوف، تنشأ عند تعرض الفرد لموقف أو مشهد مرتين، ولكن مع وجود تباين ملحوظ في مستوى الانتباه والإدراك بين المرتين. ففي المرة الأولى، قد يتم استقبال المعلومات الحسية بشكل سطحي أو غير مكتمل، نتيجة لتشتت الانتباه أو شرود الذهن، مما يؤدي إلى تسجيل صورة مبهمة أو غير واضحة في الذاكرة.

وعند التعرض للموقف نفسه مرة أخرى، مع تركيز الانتباه والإدراك بشكل كامل، يسترجع الدماغ الصورة المخزنة من المرة الأولى، حتى وإن كانت غير واعية، مما يخلق إحساسًا زائفًا بالألفة أو التكرار. ولتوضيح ذلك، يمكن تخيل شخص يمر بمنظر طبيعي خلاب أثناء انشغاله بأفكار أخرى، مما يجعله يستقبل صورة غير واضحة أو مشوشة للمكان.

وعندما يعود لزيارة المكان نفسه في وقت لاحق، مع تركيز انتباهه بشكل كامل، يسترجع دماغه الصورة الأولية التي تم تخزينها، فيشعر وكأنه قد رأى هذا المشهد من قبل، بينما الحقيقة هي أن الدماغ يسترجع فقط الإدراك الأولي غير المكتمل.

نظريات متعلقة بنشاط الدماغ

تتعدد النظريات التي تسعى لتفسير ظاهرة “الديجافو”، أو الشعور المألوف الغامض، حيث ترجع بعض هذه النظريات هذه الظاهرة إلى اضطرابات عابرة في النشاط الكهربائي للدماغ. فمن بين هذه النظريات، يشار إلى احتمال حدوث خلل مؤقت في التزامن بين مناطق الدماغ المسؤولة عن معالجة الأحداث الحالية وتلك المسؤولة عن استرجاع الذكريات.

هذا الخلل قد يؤدي إلى تداخل في وظائف هذه المناطق، مما يجعل الدماغ يسجل الأحداث الجارية على أنها ذكريات سابقة، وبالتالي يخلق شعورًا زائفًا بالألفة.

وتقدم نظرية أخرى تفسيرًا يعتمد على مسارات معالجة المعلومات في الدماغ. وفقًا لهذه النظرية، تسلك المعلومات عادةً مسارًا محددًا من الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى. ومع ذلك، في بعض الحالات، قد تتجاوز المعلومات الذاكرة قصيرة المدى وتنتقل مباشرةً إلى الذاكرة طويلة المدى. هذا الاختصار في المسار يمكن أن يؤدي إلى تسجيل المعلومات على أنها ذكريات قديمة، حتى لو كانت قد حدثت للتو، مما يولد شعورًا بالديجافو.

إضافةً إلى ذلك، يمكن أن ينتج الديجافو عن تأخيرات طفيفة في معالجة الدماغ للمعلومات الحسية. عندما نستقبل معلومات من العالم الخارجي، تنتقل هذه المعلومات عبر مسارات متعددة إلى الدماغ. في بعض الأحيان، قد يكون أحد هذه المسارات أسرع من الآخر بفارق زمني ضئيل. هذا الفارق الزمني يمكن أن يدفع الدماغ إلى تفسير الحدث نفسه على أنه حدثين منفصلين، مما يخلق شعورًا بأننا قد شهدنا هذا الحدث من قبل.

نظريات متعلقة باسترجاع الذكريات

تُقدّم النظريات المتعلقة باسترجاع الذكريات تفسيراتٍ محتملة لهذه الظاهرة، إذ يُعتقد أنّ الديجافو قد ينشأ عندما يتطابق موقفٌ حالي مع ذاكرةٍ دفينةٍ من الماضي، سواءً كانت تجربةً شخصيةً أو ذكرىً من الطفولة المبكرة، والتي قد لا يستطيع الفرد استرجاعها بوضوح.

ويُمكن لهذا التشابه بين المحيط الحالي والذاكرة القديمة أن يُثير شعورًا بالألفة، وكأنّ الموقف قد سبق وأن حدث. فعلى سبيل المثال، عند دخول غرفةٍ جديدة، قد يتولّد شعورٌ غريبٌ بالألفة، وذلك نتيجةً لتشابه عناصر الغرفة، كشكل المكتب أو لون الأثاث، مع عناصر أخرى سبق وأن رآها الفرد في مواقفَ مختلفة.

هذا التطابق بين العناصر المألوفة والموقف الجديد يُمكن أن يُحدث نوعًا من الخلط في الدماغ، مما يُؤدّي إلى شعورٍ بالديجافو. وتُشير بعض الدراسات إلى أنّ الديجافو قد يكون مرتبطًا أيضًا بآلية عمل الذاكرة نفسها، حيث يُمكن أن يحدث خطأٌ مؤقتٌ في طريقة معالجة الدماغ للمعلومات، مما يُنتج شعورًا زائفًا بالمعرفة المسبقة.

تتأثر احتمالية الشعور بظاهرة الديجافو بعدة عوامل متداخلة، حيث تتباين هذه الاحتمالية بين الفئات العمرية المختلفة، إذ تُظهر الدراسات أن الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عامًا هم الأكثر عرضة لتجربة هذه الظاهرة، بينما تتضاءل فرص حدوثها تدريجيًا مع التقدم في السن. ومن جانب آخر، يُلاحظ أن الأشخاص الذين يتمتعون بقدرة عالية على تذكر أحلامهم بشكل منتظم، أو الذين يكثرون من السفر، يميلون بشكل ملحوظ إلى تجربة الديجافو بشكل متكرر.

بالإضافة إلى ذلك، تلعب العوامل النفسية دورًا هامًا في زيادة احتمالية الشعور بهذه الظاهرة، حيث أن التوتر والقلق والإرهاق يؤثرون سلبًا على الذاكرة قصيرة المدى وطويلة المدى، مما يزيد من فرص حدوث الديجافو. كما يُعتقد أن ارتفاع مستوى الدوبامين في الدماغ قد يكون له تأثير في حدوث هذه الظاهرة، خاصةً لدى الأفراد الذين يتناولون أدوية تزيد من مستويات هذا الناقل العصبي.

في معظم الحالات، لا تُعدّ هذه الظاهرة مدعاة للقلق لدى الأفراد الأصحاء، حيث يُعتقد أنها قد تكون ناتجة عن خلل مؤقت في كيفية معالجة الدماغ للمعلومات. ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن تكرار حدوث الديجافو بشكل متزايد قد يكون مرتبطًا ببعض الحالات العصبية التي تتطلب عناية طبية متخصصة. فقد أشارت الدراسات إلى وجود صلة محتملة بين تكرار الديجافو وبعض الاضطرابات العصبية، مثل نوبات الصرع، والفصام، ومرض ألزهايمر.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحالات تتطلب تشخيصًا دقيقًا وعلاجًا مناسبًا من قبل طبيب أعصاب مختص. لذا، يُنصح بشدة بضرورة استشارة طبيب الأعصاب عند الشعور بالديجافو بشكل متكرر، خاصةً إذا كان ذلك يحدث عدة مرات في الأسبوع الواحد أو أكثر، وذلك بهدف إجراء الفحوصات اللازمة وتحديد التشخيص الصحيح، وبالتالي اتخاذ الإجراءات المناسبة للحفاظ على صحة الجهاز العصبي.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية