تُعتبر حقوق الإنسان في الإسلام منحة إلهية سامية، نابعة من تكريم الله عز وجل للإنسان، حيث أوجب على الجميع احترام هذه الحقوق وتقديرها، ووضع لذلك الضوابط والشروط اللازمة، مصداقًا لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}.
وقد وضع الإسلام مبادئ شاملة تضمن هذه الحقوق الإنسانية بشكل كامل، وتكفل الكرامة الإنسانية للبشرية جمعاء، حيث لم تعرف البشرية شريعة سماوية أو نظامًا وضعيًا يضاهي عظمة الشريعة الإسلامية في هذا المجال، بل إن الإسلام قد ارتقى بهذه الحقوق وجعلها من صميم الواجبات الدينية التي لا يجوز التهاون بها.
وحافظ على الحياة الإنسانية وقيمتها المقدسة، دون تمييز بين أفراد المجتمع على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو أي معيار آخر، فشملت هذه الحقوق الرجال والنساء على حد سواء، واعتنت بمصالح الناس كافة، وقد تنوعت الحقوق التي كفلها الإسلام للإنسان، وتشمل جوانب الحياة المختلفة، سواء كانت حقوقًا مدنية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، مما يجعلها منظومة متكاملة لحماية كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.
ما هي حقوق الإنسان في الإسلام؟
حق الحياة
يُعتبر حق الحياة في الإسلام من الحقوق المقدسة والأساسية التي لا يجوز انتهاكها أو سلبها من أي إنسان بأي شكل من الأشكال، حيث يحرم الإسلام الاعتداء على النفس البشرية بغير وجه حق، ويؤكد على حرمة الدماء، وقد ورد في القرآن الكريم تأكيدٌ قاطعٌ على هذا الحق في قوله تعالى: “وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ”، حيث يُشير هذا النص القرآني إلى أن الأصل هو حرمة القتل، وأن الاستثناء الوحيد هو ما يُعرف بـ “الحق”، أي الأسباب الموجبة التي تُبيح القتل وفقًا للشريعة الإسلامية.
وقد فصل النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذه الأسباب في الحديث الشريف الذي رواه مسلم: “لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللهِ، إلَّا بإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، والنَّفْسُ بالنَّفْسِ، والتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفارِقُ لِلْجَماعَةِ”، حيث يُحدد هذا الحديث ثلاثة حالات يجوز فيها القتل: القصاص في حالة القتل العمد، ورجم الزاني المحصن، وقتل المرتد عن الإسلام المُفارق للجماعة.
ويُشدد الإسلام على خطورة جريمة القتل وعظيم إثمها، حيث توعد الله سبحانه وتعالى من يرتكب هذه الجريمة بالعذاب الأليم والعقاب الشديد الخالد في نار جهنم، وذلك لما في القتل من اعتداء صارخ على حق الله في الحياة، وظلم عظيم للإنسان، وإحداث اضطراب واختلال في أمن المجتمع واستقراره.
ويُعتبر هذا التحريم شاملاً لجميع الأنفس المعصومة الدم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين من أهل الذمة الذين يعيشون في كنف الدولة الإسلامية، حيث لا يجوز الاعتداء عليهم أو قتلهم بغير حق، ويؤكد هذا على شمولية وعدالة الشريعة الإسلامية في حفظ حقوق الإنسان وحماية النفس البشرية من أي اعتداء.
حق الحرية
حق الحرية يُعد جوهرًا في الشريعة الإسلامية، حيث يتجلى هذا الحق في سعي الإنسان الفطري نحو التحرر من كل أشكال القيود والعبودية، والانعتاق من كل ما يكبّل إرادته، ويُعرّض كرامته للإهانة. تحتل الحرية مكانة رفيعة في الإسلام، ممّا يجعلها محط اهتمام بالغ في جميع الشرائع السماوية والوضعية التي تنشد العدل والإنصاف.
وتتنوّع مظاهر الحرية في الإسلام لتشمل جوانب عديدة من حياة الإنسان، فلا تقتصر على نوع واحد، بل تتعداها لتشمل حرية الاعتقاد والتديّن، وحرية التعبير عن الرأي والفكر، وحرية التنقل والإقامة، وغيرها من الحريات التي تصون كرامة الإنسان وتحفظ حقوقه.
لقد كان هذا الحق الإنساني النبيل، أي حق الحرية، شبه معدوم أو منتقصًا بشكل كبير قبل ظهور الإسلام في بعض المجتمعات، حيث كان نظام الرق والاستعباد منتشرًا على نطاق واسع في فترة الجاهلية، وكانت أسبابه تتنوع بين أسر الحروب وتراكم الديون، ممّا يُفضي إلى استعباد الأفراد وامتهانهم.
جاء الإسلام ليُعلي من شأن الإنسان ويُحرّره من هذه الأغلال، فدعا إلى تحرير العبيد بكل الوسائل الممكنة، ومحو كل شكل من أشكال الامتهان والاضطهاد التي قد يتعرض لها الإنسان، بل حثّ الإسلام على العتق والتحرير بأكثر من طريقة، وشجّع على مكاتبة العبيد، وهي اتفاق بين العبد وسيده على تحريره مقابل مبلغ من المال يكسبه العبد، وجعل الإسلام العتق كفارة عن بعض الذنوب الكبيرة، ممّا يُظهر مدى أهمية تحرير الإنسان في الشريعة الإسلامية.
حرية اختيار الدين
يكفل الإسلام للإنسان حقه في حرية اختيار الدين كأحد الحقوق الأساسية للإنسان، حيث يضمن له حرية الاعتقاد الديني دون أي إجبار أو إكراه من أي نوع، وذلك وفقًا للآية الكريمة الصريحة: “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”، ما يشير إلى أن الشريعة الإسلامية السمحة تحترم هذا الحق الإنساني الأصيل بشكل كامل.
فلا يُمارس أي ترهيب أو تخويف أو تهديد على الإنسان ليختار دينًا معينًا أو فكرة محددة دون غيرها، أو لاعتناق مذهب بعينه، حيث إنَّ أي شكل من أشكال الإجبار أو الإكراه يتنافى بشكل قاطع مع مبدأ الحرية الدينية، ويُعدُّ سلبًا لإرادة الإنسان وحقه في الاختيار الحر، ما يُؤكّد على سماحة الإسلام في جوانب العقيدة.
حق المساواة والعدالة
يكفل الإسلام حقوق الإنسان بمبدأ المساواة والعدالة الشاملة، حيث يُعتبر العدل أساس حفظ النظام الاجتماعي وصلاح المجتمع ككل. فمن أبرز ما جاء به الإسلام هو نبذ التمييز بين الأفراد، وهو ما يُناقضُ بشدةٍ ممارسات الجاهلية التي كانت تُعلي من شأن القرابة والعصبية القبلية عند إحقاق الحقوق، ممَّا كان يُفضي إلى انتصار الفرد لقومه وجماعته بصورةٍ عمياء، مدفوعًا بالاعتزاز والانتماء القبلي، ممَّا أنتجَ عنه ظلمٌ بيِّنٌ لفئاتٍ مُستضعفةٍ كالنِّساء واليتامى والفقراء.
جاء الإسلام ليضع حدًا لهذه العصبيَّة البغيضة ويُرسِّخَ مبدأ إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، ممَّا يُحقق العدل بأسمى معانيه وأتمِّ صوره. تجسَّد هذا المبدأ في سيرة النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، الذي كان القدوة المُثلى في تطبيق العدل والمساواة.
حيثُ روت لنا كتب الحديث، ومنها صحيح البخاري، قصة المرأة المخزومية التي ارتكبت جريمة السرقة، وحاول قومها التَّوسط والشَّفاعة لها عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، إلَّا أنَّه رفض ذلك بحزمٍ قاطعٍ، مُعلنًا مبدأ العدل الذي لا يعرفُ محاباةً أو تمييزًا، بقوله المشهور: “وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا”، مُؤكِّدًا بذلك أنَّ العدل يسري على الجميع دون استثناء، وأنَّ الشريعة تُطبَّق على الغنيِّ والفقير، والقويِّ والضعيف على حدٍّ سواء.
حق حفظ الكرامة الإنسانية
يكفل الإسلام للإنسان حقوقًا أساسية تشمل صون كرامته الإنسانية، حيث حفظ الله تعالى الأمة الإسلامية بمنهجه الشامل الذي يُعنى بكافة جوانب الحياة، ويأتي في مقدمة هذه الحقوق حفظ النفس الإنسانية وكرامتها، وهما من الضرورات الخمس التي تُعتبر أساسًا لقيام حياة كريمة.
وقد أولى الإسلام هذا الجانب اهتمامًا بالغًا وجعله مقصدًا أساسيًا بذاته، انطلاقًا من تكريم الله للإنسان وخلقه لعبادته وعمارة أرضه، وتحقيقًا للغاية الأسمى وهي خلافة الله في الأرض، ممّا يُبرز أهمية الحفاظ على كرامة الإنسان كقيمة مطلقة وضرورة دينية واجتماعية في الإسلام.
حق التعليم والعمل
يكفل الإسلام حقوقًا أساسية للإنسان، من بينها الحق في التعليم والعمل، حيث يولي الإسلام أهمية قصوى للعلم والمعرفة، ويجعله فريضة على كل مسلم، ممّا يُلقي مسؤولية كبيرة على عاتق الفرد والدولة على حد سواء. فالدولة مُلزمة بتوفير فرص التعليم بإنشاء المدارس والمعاهد والمؤسسات التعليمية المختلفة، بينما يُناط بالفرد السعي الجاد لطلب العلم واكتساب المعرفة في شتّى المجالات، بما في ذلك تعلّم الحرف والمهن الضرورية لتطوير حياته، بالإضافة إلى تعلّم أمور الدين الأساسية التي تُنير دربه.
وإلى جانب الحق في التعليم، يُولي الإسلام اهتمامًا بالغًا بالعمل والعمال، ويحثّ على احترامهم وصون كرامتهم، ويدعو إلى السعي الحثيث لكسب الرزق الحلال والابتعاد عن الكسل والتواكل.
وقد حفظ الإسلام للعمال حقوقًا عديدة تكفل لهم حياة كريمة، منها: وجوب احترام العامل وتجنّب أي شكل من أشكال الامتهان أو الإهانة، وإكرام الصناع والحرفيين وتقدير جهودهم، وعدم استحقار أي عمل مهما بدا بسيطًا أو متواضعًا، وعدم بخس قيمة ما ينتجونه أو يحترفونه، بل يجب تقدير عملهم ومنحهم الأجر العادل مقابل جهدهم وعرقهم، مع الحرص على دفع الأجور في وقتها دون تأخير أو مماطلة، ممّا يُرسّخ مبادئ العدالة الاجتماعية والتكافل في المجتمع الإسلامي.
حق التملك والتصرف
لقد كفل الإسلام حق التملك والتصرف للأفراد ضمن ضوابط تضمن مصلحة الفرد والمجتمع، حيث أباح الإسلام مبدأ التملك الفردي ووضع أسسًا واضحة لحماية الممتلكات الخاصة لكل شخص، مع تحديد دقيق للوسائل المشروعة التي يجوز من خلالها اكتساب هذه الممتلكات.
كما منح الأفراد حرية التصرف في ممتلكاتهم الخاصة، لكن هذه الحرية ليست مطلقة بل تخضع لضوابط تمنع الإضرار بالآخرين أو بالمصلحة العامة للأمة، أو إلحاق الضرر بالنفس من خلال تبذير المال أو إنفاقه في المحرمات، ويشترط أن يكون التصرف في المال موزونًا وعقلانيًا، كما وضع الإسلام ضوابط صارمة تحظر أساليب التملك غير المشروعة كالغش والسرقة والاحتكار وغيرها، وذلك بهدف الحفاظ على الحقوق ومنع الظلم.
بالإضافة إلى ذلك، أوجب الإسلام أداء حقوق الآخرين في هذه الممتلكات، كالزكاة والصدقات، مع تقدير كامل للجهد الشخصي المبذول في اكتساب هذه الممتلكات، مما يحقق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، ويضمن عدالة توزيع الثروة واستقرار المجتمع وازدهاره.
حق إبداء الرأي وتقرير مبدأ الشورى
يكفل الإسلام مبدأً راسخًا لحقوق الإنسان يتمثل في حرية إبداء الرأي وتطبيق مبدأ الشورى، حيث يصون الإسلام حق الأفراد في الحوار والنقاش وتبادل وجهات النظر المتنوعة، بالإضافة إلى الاطلاع على مختلف القضايا والمسائل المطروحة، بهدف الوصول إلى قناعة ورضا عام، وتحقيق الاطمئنان بشأن ما قد يشكل على الناس من أمور.
كما يضمن الإسلام حرية المناقشة الدينية لكل من يرغب في فهم الدين وتعميق معرفته به، على أن يكون ذلك دون إثارة الشكوك أو الخوض في الأمور الغيبية التي لا سبيل إلى إدراكها بالعقل، بل يهدف هذا النقاش إلى الوصول إلى نقاط اتفاق مشتركة وعرض الآراء المختلفة بشكل بنّاء.
كما يجيز الإسلام أيضًا حق النقد والتصحيح، ويشهد على ذلك مواقف عديدة من حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يقف على المنبر ويناقش الناس ويستمع إلى اعتراضاتهم على أقواله، ومن الأمثلة البارزة على ذلك قصة المرأة التي اعترضت عليه أمام الملأ قائلة له: “أخطأت”، فردَّ عليها عمر رضي الله عنه معترفًا: “أخطأ عمر، وأصابت امرأة”، ممّا يدل على سماحة الإسلام في تقبّل النقد وتصحيح الأخطاء.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.