ذكر الله -سبحانه وتعالى- شجرة الزقوم في كتابه الكريم، وأخبر أنَّ هذه الشجرة تخرج وتنبت في النار؛ أي في أصل النار، وأنَّها فتنة للقوم الظالمين، فقال -عزّ وجل-: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ* إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ* إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ).
في أعماق النار، حيث العذاب والجحيم، تنمو شجرة الزقوم، الشجرة التي ذكرت في القرآن الكريم كعذاب لأهل النار. إنها ليست مجرد شجرة، بل هي رمز للعذاب والبؤس، حيث تخرج من قعر جهنم وتمتد فروعها في أرجائها، وثمارها تشبه رؤوس الشياطين، طعام أهل النار الذي يغلي في بطونهم ويقطع أمعاءهم.
إن شجرة الزقوم ليست من أشجار الدنيا، بل هي من خلق الآخرة، وهي دليل على عظمة الخالق وقدرته على خلق ما يشاء، وفي هذا المقال سنتعرف على شجرة الزقوم بالتفصيل، وسنجيب على سؤال: ما هي شجرة الزقوم وأين تتواجد؟
ما هي شجرة الزقوم؟
شجرة الزقوم، هذا الاسم الذي ارتبط في الأذهان بالعذاب والنار، هي شجرة ورد ذكرها في القرآن الكريم، ووصفت بأنها طعام للأثيم. اختلف المفسرون في طبيعتها، فقيل إنها شجرة موجودة في الدنيا، كشجرة تنبت في تهامة باليمن، وقيل إنها شبيهة بشجرة جهنم، والصحيح أنها ليست من شجر الدنيا، بل هي من صنع الله تعالى، خلقها خصيصًا لعذاب الكافرين.
وصف القرآن ثمارها بأنها مرة كالمهل، وتغلي في بطون الآثمين كغلي الحميم، وهي فتنة عظيمة للظالمين. ورد ذكرها في عدة مواضع من القرآن الكريم، منها قول الله تعالى: “إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ”. وقوله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ).
وجاء الحديث عنها بأنّها فتنةٌ وعذابٌ، يقول -سبحانه وتعالى-: ﴿أَذلِكَ خَيرٌ نُزُلًا أَم شَجَرَةُ الزَّقّومِ* إنّا جَعَلناها فِتنَةً لِلظّالِمينَ* إنَّها شَجَرَةٌ تَخرُجُ في أَصلِ الجَحيمِ﴾. ويقول -سبحانه وتعالى-: (ثُمَّ إِنَّكُم أَيُّهَا الضّالّونَ المُكَذِّبونَ* لآكِلونَ مِن شَجَرٍ مِن زَقّومٍ* فمالِئونَ مِنهَا البُطونَ* فشارِبونَ عَلَيهِ مِنَ الحَميمِ* فشارِبونَ شُربَ الهيم).
وقد ربط بعض المفسرين ذكر هذه الشجرة في القرآن بسخرية أبي جهل من النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يلقى التمر والزبد على الناس ويقول: “تزقموا؛ فإن هذا الزقوم الذي يعدكم به محمد”. فأنزل الله هذه الآية ردًا على كفره وسخريته.
صفات شجرة الزقوم
تُعتبر شجرة الزقوم من أشد العذابات التي وعد الله بها الكافرين والعصاة في الآخرة. وصف القرآن الكريم هذه الشجرة بصفات دالة على بشاعتها ومرارتها، ففي سورة الصافات، يقول تعالى: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ* فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ* ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ).
هذا الوصف وحده يكفي لإيصال فكرة عن مكانها الرهيب في أعماق النار. ثم يصف تعالى ثمرها بقوله: “طلعها كأنها رؤوس الشياطين”، وهي صورة قبيحة ومخيفة تدل على سوء شكل هذا الثمر. إن هذا الوصف بالشياطين يدل على قبح الشجرة وقبح منظرها، فالشيطان هو أشد المخلوقات قبحاً وخبثاً، فكيف بمن يشبه ثمره رؤوس الشياطين؟
ولم يكتف القرآن الكريم بوصف شكل الشجرة، بل وصف طعمها وحرارتها، فطعمها مر جداً لدرجة لا تطاق، وهي خشنة ونتنة تلتصق بالحلق، مما يسبب عذاباً شديداً لآكلها. أما حرارتها فتفوق الوصف، فهي تغلي في بطون الآكلين كغلي الحميم.
فيقول -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ* طَعَامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ)، والمهل: هو نحاس تمت إذابته، ولا يذوب النحاس إلا إذا كان على درجة حرارة تزيد عن ألف ومائتين وخمسين درجة مئوية، فثمر هذه الشجرة ينزل في بطون آكليها فيغلي في بطونهم، فيكون كغلي الحميم وهو السائل الذي بلغ النهاية في درجات الحرارة.
إن هذا الوصف التفصيلي لشجرة الزقوم يهدف إلى ترسيخ الإيمان بقوة العذاب الإلهي، وتحذير العباد من ارتكاب المعاصي والذنوب، فمن يتأمل في هذا الوصف يدرك عظمة الله وقدرته، ويدرك أيضاً أنه لا ينبغي له أن يعصي ربه.
من يأكل من شجرة الزقوم؟
تُعتبر شجرة الزقوم من أشد العذابات التي وعد الله بها الكافرين والعصاة في الآخرة، وقد خصصها القرآن الكريم بوصف تفصيلي مرعب. أما عن من سيأكل من ثمارها السامة، فقد بينت الآيات الكريمة أنهم أهل الإثم والفسق، الذين يعرضون عن طاعة الله ورسوله. يقول تعالى: “إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ* طَعَامُ الْأَثِيمِ”. فالآية صريحة في تحديد من سيأكل من هذه الشجرة، فهم الذين آثروا المعاصي والذنوب على طاعة ربهم.
ولا يقتصر الأمر على أهل الإثم بشكل عام، بل يشمل أيضًا فئة أخرى من الكافرين، وهم الذين وصفهم الله تعالى بالضلال والكذب، حيث يقول: “ثمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ”. فهذه الآية تُبين كذلك أنَّ مِنَ الذين يأكلون من شجرة الزقوم هم أهل الشمال المذكورين في سورة الواقعة؛ فأولئك هم الضالون عن طريق الهدى، المكذبون بيوم الدين. فمن خلال هذه الآية يتضح أن الضالين عن سبيل الحق والمكذبين بيوم الحساب سيجدون أنفسهم مضطرين للأكل من هذه الشجرة المقززة.
وبهذا يتبين لنا أن شجرة الزقوم ليست مجرد وصف مجازي للعذاب، بل هي واقع مؤكد سيواجهه كل من عصى الله ورسوله، وسلك طريق الضلال والكفر. وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم تفصيلاً ليردع الناس عن المعاصي، وليعلموا عاقبة أعمالهم، وليتوقوا إلى الجنة ورضوان الله.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.