الصلاة هي الصلة المباشرة بين العبد وربه، وهي من أركان الإسلام الخمسة. ولكي تقبل الصلاة من العبد، فقد وضع الاسلام مجموعة من شروط الصلاة التي يجب على المسلم الالتزام بها. هذه الشروط تضمن أن تكون الصلاة خالصة لله تعالى، وأن يؤديها المسلم على الوجه الصحيح الذي يرضي الله.
شروط وجوب الصلاة
الإسلام
الصلاة فرضٌ على كل مسلم بالغ عاقل، سواء كان ذكراً أم أنثى. والدليل على أن الإسلام شرط أساسي لوجوب الصلاة هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين أرسله إلى اليمن: “ادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا الله، وأَنِّي رَسولُ اللهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ”. هذا الحديث النبوي الشريف يوضح بوضوح أن دخول الإسلام يوجب على المسلم فريضة الصلاة، حيث إن الشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله هي أصل الإسلام، وبالتالي فإن من شهادة بأنه مسلم فقد دخل في الإسلام، وبالتالي وجبت عليه الصلاة.
البلوغ
اتفق الفقهاء المسلمون على أن بلوغ سن التكليف الشرعي شرط أساسي لوجوب الصلاة على المسلم، فالصبي الصغير لا تُفرض عليه الصلاة حتى يبلغ. وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مُرُوا أولادَكم بالصَّلاةِ وهم أبناءُ سَبعِ سِنينَ، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عَشرٍ”. اختلف الفقهاء في تفسير هذا الأمر النبوي، فذهب جمهور العلماء إلى أن الأمر هنا بالندب، أي التوجيه والإرشاد، وليس بالوجوب. بينما ذهب المالكية إلى أن الأمر بضرب الصبي عند بلوغه عشر سنوات يدل على وجوب الصلاة عليه في هذا السن، ويجب على الوالدين إلزامه بها. ويرى بعض العلماء أن سن التمييز التي يبدأ عندها أمر الصبي بالصلاة هي السبع سنوات، والتمييز هو القدرة على التفريق بين الخير والشر. وعند بلوغ العشر سنوات يتأكد وجوب الأمر بالصلاة على الصبي ويشدد الوالدان على إلزامه بها.
العقل
لا تُوجب الصلاة على الإنسان إلا إذا كان عاقلاً، فالعقل شرط أساسي لوجوبها. دل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رُفِعَ القلَمُ عن ثلاثةٍ: عن النائمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصبىِّ حتى يحتلِمَ، وعن المجنونِ حتى يعقِلَ”. وهذا الحديث الشريف يوضح أن من كان نائمًا أو مجنونًا لا تُكتب عليه الصلاة، لأن العقل هو الأساس الذي يبنى عليه التكليف الشرعي. وبناءً على ذلك، فإن من نسي صلاة أو نام عنها، فعليه قضاؤها فور تذكره، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا”.
الخلو من الموانع الشرعية
توجد موانع شرعية تمنع المرأة من أداء الصلاة، وأبرزها الحيض والنفاس. فالمرأة الحائض أو النفاس معفاة من أداء الصلاة، سواء كانت هذه الحالة طبيعية أو ناتجة عن تناول أدوية أو أسباب طبية أخرى. ولا يلزم على المرأة القضاء على الصلوات التي فاتتها خلال فترة الحيض أو النفاس، فقد سُألت السيّدة عائشة عن سبب قضاء الحائض للصوم دونًا عن الصلاة فقالت: “كانَ يُصِيبُنَا ذلكَ، فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ”.
شروط صحة الصلاة
إنّ شروط صحة الصلاة منها شروط وجوب وصحة معًا ومنها شروط صحة فقط، وشروط الصحة هي:
دخول الوقت
لا بد لصحة الصلاة أن يعلم المصلي بدخول وقتها، فالعلم بوقت الصلاة شرط أساسي لصحة العبادة. وهذا العلم إما أن يكون يقينًا لا يدع مجالاً للشك، أو ظنًا قويًا في حال تعذر اليقين التام. فإذا صلى الإنسان وهو يشك في دخول الوقت أو لا يعلم به على الإطلاق، فإن صلاته لا تكون صحيحة، حتى لو صلى في الوقت الفعلي. ويدل على وجوب العلم بوقت الصلاة قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}، أي أن الصلاة فرض محدد بوقت له بداية ونهاية، مما يستلزم من المسلم أن يتحرى معرفة هذا الوقت قبل الشروع في الصلاة.
النية
تشترط صحة الصلاة وجود النية في قلب المصلي، وهي عزم القلب على أداء الصلاة تقربًا إلى الله تعالى. وقد اختلف العلماء في حكم النية، فذهب الحنفية والحنابلة والقول الراجح عند المالكية إلى أنها شرط من شروط صحة الصلاة، بينما رأى الشافعية وبعض المالكية أنها ركن أو فرض من فروضها. وتدل النصوص الشرعية على وجوب النية في الصلاة، فهي تميز العبادة عن الحركة العادية وتؤكد إخلاص العبادة لله وحده، كما ورد في قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}. وبناءً على ذلك، فإن الصلاة التي تؤدى بدون نية صحيحة لا تعتبر صلاة صحيحة، مهما كانت الظروف.
استقبال القبلة
استقبال القبلة شرط أساسي لصحة الصلاة باتفاق جميع الفقهاء، وذلك امتثالاً لقول الله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}. إلا أن هذا الشرط قد يُستثنى منه في حالات الضرورة القصوى، مثل حالة الخوف الشديد من عدو أو حيوان مفترس، أو في حالة العجز الشديد الذي يمنع المصلي من التحرك بحرية، كأن يكون مربوطًا أو مريضًا. كذلك، يُستثنى من هذا الشرط صلاة النافلة التي يؤديها المسافر وهو راكب دابة، حيث يجوز له الصلاة متجهًا إلى أي جهة يراها مناسبة. وبناءً على ذلك، فإن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة في الأحوال العادية التي يتمتع فيها المصلي بالأمن والقدرة على التحرك، أما في حالات الضرورة والعذر، فيجوز للمصلي أن يتجه إلى أي جهة يستطيعها.
ستر العورة
يشترط لصحة الصلاة ستر العورة، سواء كان المصلي وحيدًا أم مع جماعة، وسواء كان المكان مضيئًا أم مظلمًا، وهو رأي جمهور العلماء. والدليل على ذلك قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، حيث فسّر ابن عباس رضي الله عنهما الزينة هنا بأنها الثياب التي يلبسها المصلي في صلاته. كما دل على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يقبَلُ اللهُ صلاةَ حائضٍ إلَّا بخِمارٍ”، حيث يشير الخمار هنا إلى غطاء الرأس والعنق وليس الوجه. فالحائض هي الأنثى التي بلغت سنّ التكليف، وليست المرأة حال الحيض، وبالتالي، فإن ستر العورة واجب على كل مسلم ومسلمة، سواء كان الرجل أو المرأة، وذلك تعظيمًا لله تعالى واعتبارًا من أعظم آداب الصلاة.
الطهارة
تشكل الطهارة ركناً أساسياً من أركان الصلاة، ولا تصح العبادة إلا بها. وتنقسم الطهارة إلى نوعين رئيسيين: الطهارة الحقيقية والطهارة الحكمية. فالطهارة الحقيقية تعني خلو البدن والثوب والمكان الذي يصلي فيه المسلم من كل نجاسة، سواء كانت نجاسة ظاهرية كالبول والدم، أو نجاسة باطنة كالخمر والخنزير. أما الطهارة الحكمية فتتمثل في الطهارة من الحدثين، وهما الحدث الأكبر (الجنابة) والحدث الأصغر (الخروج الهواء أو البول). وفيما يأتي تفصيل هذا الأنواع مع التدليل على كل منها:
- طهارة البدن والثوب
يشترط لصحة الصلاة أن يكون المسلم طاهر البدن والثياب من جميع أنواع النجاسات الحقيقية. فالنجاسة تمنع قبول الصلاة، وقد ورد في القرآن الكريم دليل على وجوب طهارة الثوب بقول الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}. وقوله -صلّى الله عليه وسلّم- للمرأة التي سألته عن الثوب الذي يصيبه دم فقال لها: “حُتِّيه ثمَّ اقرُصيه بالماءِ ثمَّ رُشِّيه وصَلِّي فيه”، يعني تفركه وتزيله مع تدليكه وصب الماء عليه، مما يدل على أهمية طهارة الثوب في الصلاة. أما طهارة البدن، فقد أكد عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “إِذَا أقْبَلَتِ الحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وصَلِّي”. وبما أن طهارة الثوب واجبة، فمن باب أولى أن تكون طهارة البدن واجبة أيضًا، إذ أن النجاسة في البدن أشد تأثيرًا على الصلاة.
- طهارة المكان
يشترط لصحة الصلاة أن يكون المصلى في مكان طاهر خالٍ من النجاسة، وذلك امتثالاً لقول الله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم صراحة عن الصلاة في الأماكن التي تتلوث بالنجاسات بشكل متكرر، مثل المذابح وأماكن تجمع الحيوانات ومواقع نومها، وذلك حفاظًا على طهارة الصلاة وخشوع المصلي. ويشمل شرط الطهارة طهارة البدن والثياب والمكان الذي يصلي فيه المسلم، وذلك لضمان قبول صلاته وكمالها.
- الطهارة من الحدثين
الحدث في الشريعة الإسلامية هو حالة طهورية تنشأ عن خروج شيء من بدن الإنسان، سواء كان ذلك من السبيلين أو غيرهما، مما يستوجب الطهارة قبل الشروع في الصلاة. وينقسم الحدث إلى نوعين: حدث أصغر وحدث أكبر. فالحدث الأصغر يزول بالوضوء، كما جاء في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}. أما الحدث الأكبر، مثل الحيض والنفاس والجنابة، فيزول بالغسل، كما ورد في قوله تعالى: {وإن كنتم جنباً فاطهروا}. وفي حالة عدم توفر الماء أو تعذر استعماله، يجوز التيمم بالصعيد الطيب، وذلك استنادًا إلى قوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه}. ومن الجدير بالذكر أن الصلاة لا تصح ولا تنعقد ما دام على الإنسان حدث، سواء كان أصغرًا أو أكبرًا، وذلك لوجوب الطهارة قبل الشروع في هذه العبادة العظيمة.