تُعتبر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، المعروفة اختصارًا باسم اليونسكو (UNESCO)، وكالة متخصصة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة، تأسست بهدف سامٍ يتمثل في بناء السلام وتعزيز العدالة الاجتماعية، انطلاقًا من إيمانها الراسخ بأهمية التعاون الدولي في مجالات التربية والعلوم والثقافة.
تضطلع اليونسكو بمجموعة واسعة من المهام والأنشطة التي تصب جميعها في خانة تحقيق أهدافها النبيلة، فهي تعمل جاهدة من أجل حماية حقوق الإنسان وضمان الأمن الدولي من خلال تشجيع التعاون بين الدول في وضع وتنفيذ البرامج التعليمية المتنوعة، ودعم البحوث في مجالات العلوم الطبيعية والاجتماعية والإنسانية، بالإضافة إلى الحفاظ على التراث الثقافي المادي وغير المادي وتشجيع الإبداع الثقافي.
تتخذ اليونسكو من مدينة باريس في فرنسا مقرًا رئيسيًا لها، إلا أن نطاق عملها يمتد ليشمل جميع أنحاء العالم من خلال شبكة واسعة تضم أكثر من 50 مكتبًا ميدانيًا منتشرة في مختلف القارات، ما يُمكّنها من تنفيذ برامجها ومشاريعها على أرض الواقع والتفاعل المباشر مع المجتمعات المحلية.
وقبل الخوض في تفاصيل برامجها وأهدافها الأساسية، من المهم إلقاء نظرة على تاريخ تأسيس هذه المنظمة العريقة التي تساهم بشكل فعّال في بناء عالم أفضل يسوده السلام والازدهار.
تاريخ تأسيس منظمة اليونسكو
في خضمّ الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا في مطلع عام 1942، وبينما كانت دول أوروبا تخوض صراعًا مريرًا ضد ألمانيا النازية، اجتمعت حكومات هذه الدول في المملكة المتحدة ضمن إطار مؤتمر وزراء الحلفاء للتربية (CAME)، حيث بدأت هذه الحكومات، على الرغم من استمرار أتون الحرب، في التفكير مليًا في مرحلة ما بعد الحرب، وبحثت عن سبلٍ لإعادة بناء أنظمتها التعليمية التي تأثرت بشكل كبير.
سرعان ما لاقت هذه المبادرة استحسانًا دوليًا واسعًا، واكتسبت شعبية متزايدة، ما دفع حكومات أخرى، من بينها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الانضمام إلى هذا المشروع الطموح. بناءً على هذا الزخم، واقتراح مؤتمر وزراء الحلفاء للتربية، عُقد في لندن مؤتمر الأمم المتحدة لإنشاء منظمة تُعنى بالتعليم والثقافة، وذلك في الفترة من 1 إلى 16 نوفمبر عام 1945، أي بعد انتهاء الحرب مباشرةً.
ضمّ هذا المؤتمر ممثلين عن 44 دولة، اتخذوا قرارًا تاريخيًا بإنشاء منظمة عالمية تهدف إلى تجسيد ثقافة سلام حقيقية، وترسيخ التضامن الفكري والمعنوي بين البشر في جميع أنحاء العالم، انطلاقًا من إيمانهم بأهمية التعليم والثقافة في بناء مستقبل أفضل للإنسانية.
البرامج الأساسية لمنظمة اليونسكو
تنقسم برامج منظمة اليونسكو إلى خمسة قطّاعاتٍ رئيسيةٍ، وهي التعليم والعلوم الطبيعية، والعلوم الاجتماعية والإنسانية، والثقافة والاتصالات والمعلومات.
قطّاع التعليم
يعد برنامج التعليم للجميع “Education for All” من أكبر برامج المنظمة، ويهدف إلى إتاحة فرص التعليم وتوسيعه في مرحلة الطفولة المبكرة، من خلال توفير التعليم المجاني لجميع الأطفال دون استثناء، كما يهدف إلى محو الأمية بالنسبة للكبار ووضع معايير التعلم العالمية بالنسبة للقراءة والرياضيات. فمنظمة اليونسكو ترى أنّ التعليم يعمل كوسيلةٍ لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم.
قطّاع العلوم الطبيعية
ينظم هذا القطّاع البحوث والبرامج الدولية المتعلقة بالعلوم والهندسة والطاقة المتجددة، وتهدف برامجه إلى حل القضايا الدولية، مثل تغير المناخ والفقر من ناحيةٍ علميةٍ، كما يركز ذلك القطاع على موضوع الكوارث الطبيعية التي تحدث في عددٍ من البلدان خصوصًا في القارة الأفريقية.
فعلى سبيل المثال، يوجد لدى هذا القطاع برنامج يركز على الدول الجزرية الصغيرة النامية التي لا تزال في طور التنمية الاقتصادية، وتضمّ دولًا مثل ساموا (Samoa) وفيجي (Fiji)، وتونغا (Tonga) وغرينادا (Grenada)، يهدف القطاع إلى تعزيز الاقتصاد والمجتمع والثقافة لكل جزيرةٍ على حدة، بالإضافة إلى العمل على توحيدها في هويةٍ جماعيةٍ.
قطاع العلوم الاجتماعية والإنسانية
يعمل هذا القطاع على تشجيع بعض القيم الاجتماعية في الدول مثل العدالة والحرية، ومن خلاله أيضًا تدعم اليونسكو حقوق الإنسان، وتقول بأنّ جميع الناس يولدون أحرارًا ومتساوين في الحقوق والكرامة، كما يكافح هذا القطاع جميع أشكال التمييز.
قطاع الثقافة
مهمته الحفاظ على التراث العالمي بجميعِ أشكاله، وتصنّف اليونسكو التراث إلى ستّ فئاتٍ: الثقافية والطبيعية، المنقولة وغير المنقولة، الملموسة وغير الملموسة. فمثلًا التراث الثقافي يكون عادةً عبارة عن قطعٍ فنيةٍ مثل لوحة ليوناردو دا فينشي (Leonardo da Vinci) الشهيرة “الموناليزا Mona Lisa”، أمّا بالنسبة للتراث الطبيعي فيُمكن أن يمثل نظامًا بيئيًّا فريدًا كالشعب المرجانية على سبيل المثال.
الاتصالات والمعلومات
يمتلك قطاع الاتصالات والمعلومات التابع ليونسكو هدفين رئيسيين وهما تعزيز الوصول الشامل إلى المعلومات، وتعزيز استخدام أشكال التعبير المتنوعة في الإعلام. يدعم هذا القطاع عددًا من المشاريع التي تساهم في زيادة المحتوى متعدد اللغات على الإنترنت، وقد كانت أهم مبادراته هي إنشاء متصفح ويب متعدد اللغات، إضافةً إلى ذلك يعمل هذا على القطاع على تطوير تدريب الإعلاميين.
اهداف منظمة اليونسكو
تركز اليونسكو على مجموعةٍ من الاهداف التي تخصّ المجالات ذات الأولوية العالمية مثل الأولويات التي تخص قارة أفريقيا، أو المساواة بين الجنسين، كما تملك العديد من الاهداف الشاملة الأخرى، أهمها:
- حصول الجميع على تعليمٍ جيّدٍ، والتعلم مدى الحياة.
- تحقيق التنمية المستدامة من خلال زيادة تعميم المعرفة العلمية، وتنميتها.
- حل القضايا الاجتماعية والأخلاقية الناشئة.
- تعزيز التنوع الثقافي وثقافة السلام، والحوار بين الثقافات.
- بناء مجتمعات المعرفة، من خلال تأمين وسائل الاتصال والمعلومات.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.