متى ظهرت المدارس في الحضارة الإسلامية؟

متى ظهرت المدارس في الحضارة الإسلامية؟ شهدت المساجد في القرون الإسلامية الأولى، وتحديدًا خلال القرون الثلاثة التالية للهجرة النبوية الشريفة، دورًا محوريًا كمنارات للعلم والمعرفة، حيث كانت بمثابة الجامعات والمعاهد التي يتلقى فيها المسلمون علوم الدين والدنيا.

ومن أبرز هذه المساجد التي احتضنت حلقات العلم والعلماء: المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، والمسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد الجامع في البصرة، ومسجد الفسطاط في مصر، والمسجد الأقصى المبارك في القدس، والجامع الأموي في دمشق، ومسجد القيروان في تونس، ومسجد قرطبة في الأندلس.

ومع ازدياد الإقبال على طلب العلم واتساع نطاق المعرفة، ازدحمت المساجد بحلقات الدرس وضاقت على طلابها، مما استدعى الحاجة الماسة إلى إنشاء مؤسسات تعليمية متخصصة، تُعرف بالمدارس، لتوفير بيئة تعليمية مُثلى للطلاب. وقد شهد القرن الرابع الهجري بداية ظهور هذه المدارس في العالم الإسلامي، حيث أُنشئت دورٌ مخصصة للتدريس والتحصيل العلمي.

وتُعتبر المدرسة التي بُنيت في دمشق عام 391هـ أول مدرسة إسلامية ودارًا للقرآن في بلاد الشام خارج نطاق المساجد، وقد أنشأها الأمير العراقي شجاع الدولة صادر بن عبد الله، وعُرفت باسم المدرسة الصادرية، وقد تبعه في هذا النهج المبارك مقرئ دمشق رشأ بن نظيف، الذي أسس مدرسة أخرى.

إلا أن الدراسات التاريخية والبحث في المصادر الموثوقة يكشف عن وجود مدارس سبقت المدرسة الصادرية في الظهور، منها على سبيل المثال لا الحصر: مدرسة الإمام أبي حفص الفقيه البخاري التي يعود تاريخها إلى عام 150هـ، ومدرسة ابن حيان التي تأسست حوالي سنة 305هـ، ومدرسة أبي الوليد النيسابوري في نيسابور التي أُنشئت قبل سنة 349هـ.

في بداية نشأتها، كانت هذه المدارس عبارة عن مبادرات أهلية، أي تُدار بجهود وتمويل الأفراد، ثم ما لبثت أن حظيت برعاية الدولة والخلافة، حيث أصبحت تُنفق عليها وتوفر لها الموارد اللازمة، بما في ذلك جلب المعلمين والعلماء. وبذلك تحولت المدارس من مبادرات أهلية إلى مؤسسات حكومية.

ويُعتبر الوزير الشهير نظام الملك الطوسي، واسمه الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، صاحب الفضل في هذا التحول، حيث وضع حجر الأساس لنظام المدارس الحكومية، ويُعدّ أول وزير للتعليم في التاريخ. وقد كان نظام الملك وزيرًا للسلطان ألب أرسلان عقب اعتلائه عرش السلاجقة في عام 455هـ.

وبفضل جهود نظام الملك وإسهاماته الجليلة، دخلت المدارس مرحلة جديدة ومزدهرة في القرن الخامس الهجري، حيث عُرفت باسم المدارس النظامية، نسبةً إليه. وتُعدّ المدارس النظامية أول نموذج من المؤسسات العلمية والمدارس التعليمية النظامية التي ظهرت في التاريخ الإسلامي، حيث كانت تُقدم الطعام المجاني للطلاب وتُصرف لهم رواتب شهرية، مما ساهم في توفير بيئة تعليمية جاذبة ومحفزة. وتُعتبر هذه المدارس من النماذج الرائدة التي أحدثت نهضة علمية وثقافية في تاريخ الحضارة الإسلامية.

  1. المدرسة النظامية في بغداد: والتي بنيت في عام459هـ/1066م، في زمن الخليفة العباسي أبو جعفر عبد الله القائم بأمر الله، وقد بلغ من اهتمام الخليفة العباسي بهذه المدرسة أنه كان يقوم بنفسه بتعيين الأساتذة بها، وكان يقوم بالتدريس فيها كبار العلماء ومنهم أبو حامد الغزالي صاحب أحياء علوم الدين.
  2. المدرسة النظامية في الموصل: أنشأ نظام الملك هذه المدرسة في الموصل لأهمية ومكانة تلك المدينة.
  3. المدرسة النظامية في أصفهان: عرفت باسم المدرسة الصدرية نسبة لأول مدرس فيها هو صدر الدين الخجندي.
  4. المدرسة النظامية في نيسابور، والتي كان يقوم بالتدريس فيها إمام الحرمين أبو المعالي الجويني.
  5. المدرسة النظامية في بلخ: درس فيها رشيد الوطواط (ت 573هـ) الشاعر، ومؤلف كتاب حدائق السحر في دقائق الشعر.
  6. المدرسة النظامية في البصرة، على الرغم من أنها كانت أكبر من المدرسة النظامية في بغداد، فإن توجه العلماء والفقهاء كان دائمًا نحو المدرسة النظامية في بغداد.
  7. المدرسة النظامية في آمد: قد أسسها نظام الملك لمواجهة نشاطات الإسماعيلية
  8. المدرسة النظامية في هراة: وهراه تعد من مدن خراسان العريقة في الحضارة الإسلامية
  • عمر الخيام: من أشهر علماء الفلك والرياضيات.
  • أحمد بن موسى: عاش في القرن العاشر، وهو رائد الهندسة النظامية.
  • على بن عيسى: هو عالم قدم للمرة الأولى أبحاثًا عن مرض العيون في القرن الحادي عشر.
  • بيرونى: هو العالم الولي الذي اكتشف ثروات الأمريكان واليابانيين.
  • ابن جسار: الطبيب المسلم الأول الذي اكتشف أسباب ونتائج مرض الجزام.
  • ابن حوقل: ألف كتابًا على قيمة علمية عالية.
  • ابن الهيثم الفيزيائي الشهير المؤسس الأول لعلم العيون.
  • ابن قارقة: الطبيب الشهير.
  • ابن يونس: العالم الفلكي الذي اكتشف عقارب الساعة قبل جاليليو.

ازدهرت المؤسسات التعليمية المعروفة باسم “المدارس” في شتى بقاع العالم الإسلامي، مُشكلةً شبكة واسعة من مراكز العلم والمعرفة امتدت من بغداد وخراسان شرقًا إلى مصر والمغرب والأندلس غربًا، حيث حظي الطلاب في هذه المدارس برعاية شاملة، تكفلت بتوفير كافة احتياجاتهم المعيشية من مأكل ومشرب ومسكن، بالإضافة إلى الدعم المالي الذي ساهم في تفرغهم التام للتحصيل العلمي.

ولم يقتصر هذا الاهتمام بالتعليم على فترة زمنية محددة، بل استمر عبر مختلف العصور، مُثبتًا بذلك رسوخَ مكانة العلم في الحضارة الإسلامية، حتى في أوقات الضعف السياسي والعسكري للدولة، حيث لم تتوقف الحركة العلمية عن النمو والازدهار، وشاهدٌ على ذلك بناء المدرسة المستنصرية في بغداد عام 631هـ، في فترة عصيبة بلغت فيها الدولة العباسية أضعف مراحلها، بالتزامن مع الاجتياح التتري الذي هدد الخلافة العباسية تهديدًا مباشرًا.

ورغم هذه الظروف الصعبة، شُيدت هذه المدرسة التي فاقت شهرتها ما سبقها من مؤسسات تعليمية، وشهد لها المؤرخون بعظيم شأنها، ولم تقتصر الدراسة في هذه المدارس على العلوم الدينية فحسب، بل شملت مجالات معرفية متنوعة، ضمت الطب والهندسة والرياضيات، إضافة إلى وجود مدارس متخصصة في تدريس العلوم الطبيعية، ما يعكس الاهتمام الشامل بالمعرفة في مختلف فروعها. الكلمات المفتاحية: المدارس، العالم الإسلامي، التعليم، العلوم الدينية، الطب، الهندسة، الرياضيات، العلوم الطبيعية، المدرسة المستنصرية، الدولة العباسية، الاجتياح التتري.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية