تساهم السوائل بشكل كبير في تخفيف أعراض التهاب الحلق والتهابات الجهاز التنفسي العلوي الأخرى. فبفضل قدرتها على ترطيب الأغشية المخاطية وحمايتها من الجفاف، تساعد السوائل على تسهيل عملية البلع وتقليل الشعور بالاحتكاك والتهيج في الحلق. كما تعمل على تحسين تدفق المخاط، مما يساعد على طرد الميكروبات والجسيمات الغريبة التي قد تسبب العدوى.
بالإضافة إلى ذلك، فإن شرب السوائل بانتظام، خاصة الدافئة منها، يساهم في تخفيف الالتهاب والاحتقان في الجيوب الأنفية، مما يقلل من خطر الإصابة بالتهابات الجيوب الأنفية. وتُعزى فاعلية السوائل الدافئة في تهدئة السعال إلى قدرتها على تخفيف التهيج في الحلق وتقليل الرغبة في السعال المستمر.
ومن الجدير بالذكر أن تفضيل السوائل الدافئة أو الباردة يختلف من شخص لآخر، لذا يُنصح بتجربة كلا النوعين لتحديد ما هو الأنسب لكل حالة على حدة.
عند التعامل مع التهاب الحلق، من الضروري اتباع بعض النصائح الهامة لتخفيف الأعراض وتعزيز الشفاء. يفضل تجنب تناول المشروبات الساخنة جدًا والتي قد تزيد من تهيج الحلق، والاكتفاء بالمشروبات الدافئة التي تساعد على تهدئة المنطقة المصابة. كما ينصح بشرب كميات كافية من الماء طوال اليوم للحفاظ على رطوبة الحلق وتسهيل عملية البلع.
وإذا استمر الألم أو زادت شدته، أو ظهرت أعراض أخرى مثل الحمى أو صعوبة في التنفس، يجب استشارة الطبيب على الفور لتشخيص الحالة وتحديد العلاج المناسب. هناك العديد من العلاجات المنزلية التي قد تساعد في تخفيف أعراض التهاب الحلق، مثل الغرغرة بماء دافئ مضاف إليه الملح، واستخدام أجهزة ترطيب الهواء، وتناول العسل الطبيعي، ولكن يجب استشارة الطبيب قبل استخدام أي من هذه العلاجات، خاصةً للأطفال.
مشروبات ساخنة لعلاج التهاب الحلق
- مشروب الليمون الدافئ
يُعدّ مشروب الليمون الدافئ، ذلك المزيج المنعش من الحمضية والدفء، من المشروبات الشعبية التي يعتمد عليها الكثيرون للتخفيف من أعراض نزلات البرد والإنفلونزا، خاصةً التهاب الحلق. ومع ذلك، وعلى الرغم من اعتقاده الشائع بفعاليته، لا تدعم الأدلة العلمية بشكل قاطع فكرة أن شرب الليمون الدافئ يخفف بشكل مباشر من التهاب الحلق.
تعود شعبية هذا المشروب إلى محتواه الغني بفيتامين ج، ذلك الفيتامين الذي اشتهر بدوره في تعزيز المناعة ومكافحة العدوى منذ عقود. وقد ألهمت هذه الشهرة العديد من الدراسات التي حاولت تأكيد فاعلية فيتامين ج في الوقاية من نزلات البرد وتقليل مدتها، إلا أن نتائج هذه الدراسات كانت متباينة وغير حاسمة. وعلى الرغم من أن بعض المراجعات العلمية، مثل تلك التي نشرت في مجلة The Cochrane Database of Systematic Reviews عام 2000، أشارت إلى أن تناول مكملات فيتامين ج قد يقلل قليلاً من مدة الزكام، إلا أن هذه النتائج لا تزال بحاجة إلى مزيد من البحث والتأكيد.
وبالتالي، بينما قد يساهم شرب الليمون الدافئ في تهدئة الحلق وتوفير الراحة النفسية، إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليه كعلاج فعال وحيد لالتهاب الحلق، ويجب استشارة الطبيب للحصول على العلاج المناسب.
- الشاي الأسود الدافئ
قد يكون كوب من الشاي الأسود الدافئ، المستخلص من نبات الكاميليا الصينية (Camellia sinensis)، بمثابة مرهم طبيعي لتهدئة التهاب الحلق. فالشاي الأسود، بفضل احتوائه على مادة التانين القابضة للأنسجة، يعمل على تقليص الأوعية الدموية الدقيقة وتخفيف التورم والاحمرار في الحلق، مما يساهم في تخفيف الشعور بالألم والتهيج.
ولتعزيز فوائده، يمكن تحضير شاي أسود مركز واستخدامه كغرغرة عدة مرات في اليوم، حيث تعمل الغرغرة على تطهير الحلق من الجراثيم والبكتيريا، وتساعد على تخفيف الالتهاب بشكل أسرع. وللحصول على أقصى استفادة، يفضل تناول الشاي الأسود دافئًا وليس ساخنًا، حيث أن الحرارة الزائدة قد تزيد من تهيج الحلق.
مشروبات عشبية مفيدة لالتهاب الحلق
لطالما ارتبطت مشروبات الأعشاب بتخفيف العديد من الآلام والمشكلات الصحية، ومن بينها التهاب الحلق. فمكونات هذه المشروبات العشبية الغنية بمضادات الأكسدة والمركبات الفعالة قد تساهم في تخفيف الألم المصاحب لالتهاب الحلق، وتقليل الالتهاب الذي يسبب الاحمرار والتورم، وربما حتى القضاء على بعض البكتيريا الضارة التي قد تكون السبب في الإصابة.
وعلى الرغم من الاستخدام التقليدي الواسع لبعض الأعشاب في علاج التهاب الحلق، إلا أن الأدلة العلمية حول فعالية وسلامة هذه الاستخدامات لا تزال محدودة. لذا، ينصح باستشارة الطبيب قبل اللجوء إلى مشروبات الأعشاب كعلاج أساسي، خاصةً للأطفال والحوامل والمرضى الذين يتناولون أدوية أخرى، وذلك لتجنب أي تفاعلات دوائية سلبية أو آثار جانبية غير مرغوبة.
كما يجب التأكد من جودة الأعشاب المستخدمة وطريقة تحضير المشروب بشكل صحيح للحصول على أقصى استفادة ممكنة. ومن هذه الأعشاب نذكر ما يأتي:
- الدردار الأحمر
الدردار الأحمر، تلك الشجرة التي ارتبط اسمها منذ القدم بمعالجة آلام الحلق والسعال الجاف، حيث استخدم لحاؤها الداخلي لقرون عديدة كمُهدئ طبيعي. فمادة الهلام السميكة التي يتكون منها هذا اللحاء، وعند مزجها بالماء، تعمل كطبقة واقية تغلف الحلق وتخفف من الالتهاب والتهيج، مما يجعلها مكونًا شائعًا في العديد من الأدوية والعلاجات التقليدية لحالات التهاب الحلق والتهابات الجهاز التنفسي العلوي.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الاستخدام الواسع للدردار الأحمر لهذه الأغراض، فإن الأدلة العلمية الداعمة لفعاليته ما زالت محدودة. ففي دراسة نشرت عام 2012 في مجلة Journal of Investigational Biochemistry، لم يتم العثور على دليل قاطع يؤكد قدرة الدردار الأحمر على تخفيف أعراض التهاب الجهاز التنفسي العلوي.
ورغم ذلك، يستمر الكثيرون في الاعتماد على الدردار الأحمر كعلاج طبيعي آمن وفعال، خاصةً في الحالات الخفيفة من التهاب الحلق، وذلك بفضل تاريخه الطويل من الاستخدام واعتباره خيارًا آمنًا نسبيًا مقارنة بالعديد من الأدوية الأخرى.
- جذور الختمية
أظهرت دراسة نُشرت في مجلة Complementary Medicine Research عام 2018 أن جذور نبات الختمية (الاسم العلمي: Althaea officinalis)، والتي تُعرف بخصائصها المطّبعة والمُلينة، قد تكون حليفًا قويًا في مكافحة السعال الجاف المزعج. فوفقًا لهذه الدراسة، فإن تناول أقراص أو شراب مُستخلص من جذور الختمية لمدة أسبوع كامل، قد ساهم بشكل ملحوظ في تخفيف تهيج الفم والبلعوم، والحد من نوبات السعال الجاف المصاحبة لهما.
والأكثر إثارة للإعجاب، هو أن التأثير الإيجابي لهذا المستخلص قد لوحظ بسرعة فائقة، حيث شعر معظم المشاركين بتحسن ملحوظ خلال عشر دقائق فقط من تناوله. كما أشارت الدراسة إلى أن شراب جذور الختمية يتمتع بقدرة عالية على التحمل، حيث لم يبلغ المشاركون عن أي آثار جانبية خطيرة.
ومع ذلك، فقد لوحظت بعض الأعراض الطفيفة لدى قلة من الأشخاص، مما يؤكد أهمية استشارة الطبيب قبل استخدام أي مُكمل غذائي، وخاصةً للأشخاص الذين يعانون من الحساسية أو الأمراض المزمنة.
- النعناع
يتميز النعناع، ذلك العشب العطري المعروف، بخصائص طبية فريدة بفضل محتواه العالي من المنثول. يعمل المنثول كمركب نشط يمتلك قدرة فعالة على ترقيق المخاط وتخفيف الالتهابات التي تصيب الحلق، مما يساهم في تهدئة السعال وتحسين عملية التنفس. بالإضافة إلى ذلك، فإن للنعناع خصائص مضادة للميكروبات والفيروسات، مما يجعله حليفًا قويًا في مكافحة العدوى وتعزيز قدرة الجسم على الشفاء.
تشير بعض الدراسات إلى أن النعناع قد يكون له تأثير مسكن للألم في الجهاز التنفسي، ولكن لا تزال هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث لتأكيد هذه الفوائد بشكل قاطع. على الرغم من ذلك، فإن الاستخدام التقليدي للنعناع في علاج مشاكل الجهاز التنفسي يعود لقرون، وقد أكدت العديد من الدراسات المختبرية فعالية مكوناته النشطة.
ومع ذلك، يجب التنويه إلى أن معظم الدراسات التي أجريت على النعناع كانت على عينات صغيرة، وأن التأثيرات قد تختلف من شخص لآخر. ولذلك، ينصح باستشارة الطبيب قبل استخدام النعناع لعلاج أي حالة صحية.
- الزنجبيل
الزنجبيل، تلك العشبة التوابل المعروفة برائحتها القوية وطعمها اللاذع، قد يكون أكثر من مجرد إضافة نكهة لوجباتنا. تشير الدراسات العلمية إلى أن الزنجبيل يحمل كنوزًا من الفوائد الصحية، وخاصة فيما يتعلق بصحة الحلق.
فوفقًا لدراسة نشرت في مجلة East African medical journal عام 2002، فإن مستخلصات جذور الزنجبيل تحتوي على مركبات طبيعية ذات خصائص مضادة للبكتيريا والالتهابات، مما يجعلها قادرة على مكافحة الجراثيم المسببة لأوجاع الحلق وتقليل الالتهاب المصاحب لها.
هذه الخصائص المميزة تجعل من الزنجبيل عنصرًا فعالًا في تخفيف آلام الحلق وعلاج التهابات الجهاز التنفسي العلوي، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في العديد من الوصفات الشعبية لعلاج نزلات البرد والإنفلونزا.
- الحلبة
تُعتبر الحلبة، تلك البذور الصغيرة ذات النكهة المميزة، من الأعشاب التي استخدمت لقرون طويلة في الطب التقليدي لعلاج مجموعة متنوعة من الأمراض. وقد أشارت دراسة نشرت في مجلة الجمعية السعودية للعلوم الزراعية عام 2018 إلى أن الحلبة قد تكون ذات فائدة في تخفيف أعراض العديد من الالتهابات التنفسية، مثل نزلات البرد والإنفلونزا والتهاب الشعب الهوائية.
كما تشير الدراسة إلى إمكانية مساهمة الحلبة في تخفيف التهاب الجنبة، وهو الالتهاب الذي يصيب الغشاء المحيط بالرئتين، بالإضافة إلى التهاب القناة التنفسية والتهاب الجيوب الأنفية والتهاب الرئوي والتهاب الحلق والحنجرة.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذه النتائج ما زالت بحاجة إلى مزيد من الدراسات العلمية لتأكيد فعاليتها بشكل قاطع، ولا يمكن الاعتماد عليها كبديل للعلاج الطبي التقليدي.