الصلاة قرة عين المؤمن، وعنوان إيمانه، وهي من أعظم العبادات التي تقرب العبد من ربه. وقد شرع الله تعالى هذه العبادة العظيمة، ووضع لها أحكاماً وتفاصيل دقيقة، حتى تكون خالصة لوجهه الكريم. ومن هذه الأحكام معرفة ما يبطل الصلاة وما يكره فيها، حتى يؤدي المسلم صلاته على الوجه الذي يرضي الله تعالى. فما هي هذه المكروهات والمبطلات؟ وما أهميتها؟ هذا ما سنتناوله في هذا المقال.
الصلاة
الصلاة عمود الدين، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وقد فرضها الله تعالى على عباده المؤمنين ليكونوا على صلة دائمة به. وهي عبادة عظيمة الشأن، تجمع بين العبد وربه، وتقرب العبد من الله عز وجل، وتطهر القلب والروح. وحرص الإسلام على أن تكون الصلاة خالصة لله تعالى، خالية من أي شائبة أو نقص، فوضع الشارع الحكيم أحكاماً وتفاصيل دقيقة تتعلق بها، من بينها ما يبطلها وما يكره فيها.
مكروهات الصلاة
كثرة الالتفات دون حاجة
أجمع الفقهاء على أن الالتفات أثناء الصلاة عمل مكروه، وذلك لما يترتب عليه من تفويت الخشوع والانشغال عن ذكر الله. وقد جاء في السنة النبوية الشريفة تحذير صريح من الالتفات في الصلاة، وذلك لما رواه البخاري وغيره عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “سَأَلْتُ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عَنِ التِفاتِ الرَّجُلِ في الصَّلاةِ، فقالَ: هو اخْتِلاسٌ يَخْتَلِسُ الشَّيْطانُ مِن صَلاةِ أحَدِكُمْ“. ويشير هذا الحديث الشريف إلى أن الالتفات يعتبر نوعًا من الانقياد لوساوس الشيطان وعدم التصميم على مواجهتها.
الالتفات في الصلاة مكروه، إلا إذا كان هناك مبرر شرعي، كحاجة ماسة أو خوف على النفس أو المال. أو حالة المرأة التي تخشى على صغيرها أن يُلحق الأذى بنفسه؛ لحديث سهل بن الحنظلية -رضي الله عنه- قال: “ثوَّبَ بالصلاةِ -يعني: صلاةَ الصُّبحِ- فجعَلَ رسولُ اللهِ يصلِّي وهو يلتفِتُ إلى الشِّعبِ”. قال أبو داود: وكانَ أرسَلَ فارسًا إلى الشِّعبِ يحرُسُ”.
رفع البصر إلى السماء
اتفق جمهور الفقهاء، ومنهم الحنفية والشافعية، على كراهة رفع البصر إلى السماء خلال الصلاة بشكل عام. أما المالكية فرأوا أن رفع البصر جائز إذا كان بهدف التأمل في آيات الله الكونية. واستثنى الحنابلة من الكراهة حالة الحاجة الملحة للتجشؤ، حيث يجوز للمصلي رفع رأسه قليلاً لتجنب إزعاج من بجانبه.
ورد في صحيح السنة النبوية عن أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لينتهينَّ أقوامٌ يرفعونَ أبصارهُم إلى السّماءِ في الصلاةِ أو لتخطفنَّ أبصارُهُم”، وقد روى أنس ـ رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما بالُ أقوامٍ يرفَعونَ أبصارَهم في صلاتِهم؟! فاشتَدَّ قَولُه في ذلك، فقال: لَينتَهُنَّ عن ذلك أو لتُخطَفَنَّ أبصارُهم”. وقد اتفق بعض العلماء، ومنهم ابن حزم الأندلسي، على أن رفع البصر في الصلاة يعد حرامًا.
إغماض العينين أثناء الصلاة
اختلف الفقهاء في حكم تغميض العينين أثناء الصلاة. فذهب جمهورهم، ومنهم الحنفية والحنابلة وبعض الشافعية، إلى كراهة ذلك، مستندين إلى أن السنة تدعو المصلي إلى تثبيت بصره على موضع سجوده، والتغميض مخالف لهذه السنة وقد يؤدي إلى النعاس وفقدان الخشوع. بينما ذهب المالكية إلى جواز التغميض في حال وجود ما يشوش على المصلي ويصرفه عن خشوعه، كزخارف السجاد، حيث يرون أن التغميض في هذه الحالة يساعد على التركيز والخشوع في الصلاة.
قال ابن القيم رحمه الله: والصواب أن يقال: إن كان تفتيح العين لا يخل بالخشوع فهو أفضل، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه فهناك لا يكره التغميض قطعًا، والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة.
مدافعة الأخبثين
اتفق جمهور الفقهاء من المذاهب الحنفية والشافعية والحنبلية على أن من المكروهات في الصلاة أن يصلي المصلي وهو حاقن، أي يشعر بالحاجة إلى التبول أو الإخراج، أي قبل الذهاب إلى المرحاض.
روى ابن ماجة وغيره عن عبد الله بن الأرقم -رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إذا أرادَ أحَدُكمُ الغائِطَ فلْيَبدَأْ به قَبلَ الصلاةِ”، وروي عن عائشة -رضي الله عنهاـ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “لا يُصَلِّي أحَدُكم بحَضرَةِ الطَّعامِ ، ولا هو يُدافِعُه الأخبَثانِ”، وقد ورد النهي عن ذلك عن عمر، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى بطلان هذه الصلاة، فقد روى ابن القاسم عن مالك ما يدل على أن صلاة الحاقن فاسدة.
استقبال النار
ذهب المالكية والحنابلة، بالإضافة إلى عدد من علماء السلف الصالح أمثال ابن سيرين وسفيان الثوري، إلى كراهة استقبال أي مصدر للنار أثناء الصلاة، سواء كان تنورًا أو موقدًا أو حتى شموعًا مشتعلة. وقد استندوا في رأيهم هذا إلى أن مثل هذا الفعل يشبه عادة المجوس الذين كانوا يعبدون النار، خاصة تلك التي لها شعلة واضحة.
تنكيس السور
اختلف العلماء في حكم عدم مراعاة ترتيب السور القرآنية في الصلاة، والمعروف بالتنكيس. فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى كراهته، أي تحريمه وتجنبه، استدلالاً ببعض الأدلة. إلا أن هناك روايات صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أنه صلى بغير ترتيب السور. ولذلك، رأى بعض العلماء أن الكراهة المذكورة قد تكون مقصودة بها عدم ترتيب الآيات داخل السورة الواحدة في الركعة نفسها، وليس عدم ترتيب السور بين الركعات. ودليلهم على ذلك حديث حذيفة رضي الله عنه، حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم به وافتتح البقرة ثم النساء ثم آل عمران في ركعة واحدة.
كثرة التثاؤب
نهى الشرع عن التثاؤب في الصلاة، وفضل كظمه قدر الإمكان. فإذا لم يستطع المصلي كظم التثاؤب، فلا حرج عليه، ولكن يستحب أن يغطي فمه بيده اليسرى، أو بيده اليمنى كما ذهب إليه بعض العلماء. وذلك لما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا تَثاءَب أَحَدُكم في الصلاةِ فلْيَكظِمْ ما اسْتَطاع؛ فإنَّ الشيطانَ يَدخُلُ في فيه” ومع ذلك، فإن بعض المذاهب الفقهية كالحنابلة والمالكية لا ترى كراهة في التثاؤب أثناء الصلاة.
التلثم في الصلاة
اختلف الفقهاء في تعريف التلثم في الصلاة. فالشافعية يرون أن تغطية الفم فقط يعتبر تلثمًا، بينما يرى الحنفية والحنابلة أن تغطية الفم والأنف معًا هو التلثم. أما المالكية فيرون أن التلثم يقتصر على ما يغطي الشفة السفلى. وعلى الرغم من اختلاف التعريف، إلا أن جمهور العلماء يرون كراهة التلثم في الصلاة، وذلك استنادًا إلى الحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: “نهَى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن يغطِّيَ الرَّجلُ فاهُ في الصَّلاةِ”، وحكم المرأة كالرجل في كراهة التلثم أو الانتقاب أثناء الصلاة.
التخصر في الصلاة
يعتبر وضع اليد على الخاصرة أثناء الصلاة من المكروهات عند جمهور الفقهاء، حيث يرون أن هذا الفعل مخالف للسنة النبوية. وذهب الحنفية إلى أن هذا الفعل حرام، مستندين إلى الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- “أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ نَهى أن يصلِّيَ الرَّجلُ مختصرًا”. ومع ذلك، فإن هذه الكراهة أو الحرمة مقيدة بوجود العذر، فإذا كان الشخص يعاني من ألم في جنبه أو تعب شديد أثناء القيام في الصلاة، جاز له وضع يده على خاصرته للتخفيف عن نفسه، بشرط ألا يزيد هذا الفعل عن الحد اللازم لتلبية الحاجة.
مبطلات الصلاة
تعددت الآراء الفقهية حول الأمور التي تؤدي إلى بطلان الصلاة. فقد ذكر الحنفية ثمانية وستين أمرًا مفسدًا للصلاة، وذكر المالكية حوالي ثلاثين، وذكر الشافعية سبعة وعشرين، وذكر الحنابلة حوالي ستة وثلاثين. وتتنوع هذه الأسباب من مذهب لآخر، ومن الأمثلة على ذلك:
ترك ركن أو واجب عمدًا
إذا ترك المصلي ركنًا من أركان الصلاة، فإن حكم صلاته يتوقف على قصدية الترك. فإذا كان الترك عمدًا، فلا شك في بطلان الصلاة. أما إذا كان الترك ناتجًا عن سهو أو جهل، فإن الحنفية يرون وجوب إعادة الصلاة كاملة، حتى لو كان الترك في آخر الركعات. بينما يرى جمهور الفقهاء أن الصلاة لا تبطل إلا في الركعة التي ترك فيها الركن، ما عدا النية والتكبيرة الإحرام، فإذا ترك أحدهما بطلت الصلاة كاملة.
وإذا ترك المصلي عن عمد أحد الواجبات التي فرضها الله تعالى في الصلاة، فإن صلاته تلزم إعادتها من أولها لكونها قد بطلت. أما إذا كان النسيان هو السبب في تركه لهذا الواجب، فعليه أن يتذكر هذا الواجب حالًا ويعود إليه ويؤديه في مكانه الصحيح قبل الانتقال إلى الركن التالي من الصلاة. وبعد الانتهاء من الصلاة، يسجد سجدتين للسهو، ثم يسلم. ولكن إذا تذكر المصلي الواجب الذي نسيه بعد الانتقال إلى الركن الذي يليه، فلا يلزم عليه العودة إلى المكان الذي نسى فيه الواجب، بل يكمل صلاته كما هي، وبعد الانتهاء يسجد سجدتين للسهو، ثم يسلم. وفي هذه الحالة لا تعتبر الصلاة باطلة.
ترك شرط من شروط الصلاة
شروط الصلاة هي تلك المتطلبات الأساسية التي لا بد من توافرها لقبول الصلاة، فهي بمثابة أساس متين تبنى عليه الصلاة. هذه الشروط تشمل طهارة البدن والثوب والمكان، وستر العورة، واستقبال القبلة، ودخول الوقت المحدد للصلاة، والنّية الخالصة لله تعالى. وجميع هذه الشروط متساوية في الأهمية، فغياب أي منها يؤدي إلى بطلان الصلاة. فإذا صلى الإنسان وهو جنب، أو على ثوبه نجاسة، أو لم يستقبل القبلة، أو لم يدخل وقت الصلاة، فإن صلاته تكون باطلة. كما أن طروء حدث جديد خلال الصلاة، مثل خروج الريح أو نزول النجاسة على الثوب، يبطل الصلاة أيضًا. وبناءً على ذلك، فإن الحفاظ على شروط الصلاة هو واجب على كل مسلم، حتى يضمن قبول صلاته وكمالها.
الضحك والقهقهة
اتفق جمهور الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة الإسلامية على حكم واحد فيما يتعلق بالضحك أثناء الصلاة. فقد أجمعوا على أن أي ضحك يصدر عن المصلي بصوت مسموع، سواء كان ضحكة خفيفة أو قهقهة عالية، يؤدي إلى بطلان صلاته. وذلك لأن الضحك بصوت مسموع يعتبر مخالفة صريحة لحالة الخشوع والوقار التي يجب أن يتحلى بها المصلي أثناء أدائه لهذه العبادة العظيمة، ويُعدّ نوعًا من الاستهانة والتلاعب بهذه العبادة، ويقرب من الهزل واللعب، وهو ما يتنافى تمامًا مع معنى الصلاة وأهدافها.
أما بالنسبة إلى التبسم، فإن الفقهاء اختلفوا في حكمه، فبعضهم رأى أنه لا يضر بالصلاة، وبعضهم رأى أنه يبطلها. إلا أن الرأي الراجح والأكثر قبولًا هو أن التبسم الخفيف الذي لا يخرج منه صوت لا يبطل الصلاة، وذلك لأنه لا يعتبر خروجًا عن حالة الخشوع.
وأما إذا كان الضحك بغير اختيار المصلي، كأن يسمع أو يرى شيئًا، فلا يملك نفسه من القهقهة، فهل تعتبر صلاته باطلة؟ اختلف الفقهاء في ذلك ويرى كثير من العلماء أن من غلبه الضحك ولم يقو على دفعه فلا تبطل الصلاة به إن كان قليلًا، وتبطل به إن كان كثيرًا.
الكلام
اتفق الفقهاء على أن الصلاة تبطل بالكلام؛ وذلك لما رواه زيد بن أرقم – رضي الله تعالى عنه – قال: “كُنَّا نَتَكَلَّمُ في الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ، وهو إلى جَنْبِهِ في الصَّلَاةِ حتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، فَأُمِرْنَا بالسُّكُوتِ، ونُهِينَا عَنِ الكَلَامِ”، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الكلام المبطل للصلاة هو ما تشكل من حرفين فأكثر؛ لأن أقصر كلمة في العربية متشكلة من حرفين: كأب وأخ، ولا تنتظم كلمة في أقل من حرفين.
على الرغم من اتفاق الفقهاء على أن الكلام أثناء الصلاة يبطلها، إلا أنهم اختلفوا في تقييم حالات الكلام المختلفة. فبعضهم يرى أن أي كلام مهما كان سببه يبطل الصلاة، حتى لو كان نسيانًا أو لمصلحة الصلاة، مثل الحنفية والحنابلة. بينما يرى المذهب الشافعي أن النسيان لا يبطل الصلاة إذا كان من شخص حديث عهد بالإسلام أو جاهل بأحكام الصلاة. أما المذهب المالكي فيرى أن الكلام الذي يكون لمصلحة الصلاة، مثل تنبيه الإمام على خطأ، لا يبطلها.
خروج الريح
أجمع الفقهاء على أن خروج الريح يفسد الصلاة لأنه ينقض الوضوء، وذلك لما رواه الترمذي وغيره عن علي بن طلق -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “إذا فَسَا أحدُكم في الصَّلاةِ فلْيَنصرِفْ، ولْيتوضَّأْ ولْيُعِدِ الصَّلاةَ”، والمقصود بذلك هو تحقق خروج الريح وليس مجرد الشك، لأن هذا الأمر مما يكثر الوسواس فيه، وقد ثبت في ما رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا وجَدَ أحَدُكُمْ في بَطْنِهِ شيئًا، فأشْكَلَ عليه أخَرَجَ منه شيءٌ أمْ لا، فلا يَخْرُجَنَّ مِنَ المَسْجِدِ حتَّى يَسْمع صَوْتًا، أوْ يَجِدَ رِيحًا”، فبطلان الصلاة متعلق بتيقن انتقاض الوضوء.
الأكل والشرب
إن الأكل والشرب خلال الصلاة يعد من مبطلاتها باتفاق جمهور الفقهاء، وذلك لما يترتب عليه من منافاة لأعمال الصلاة وتشويش على الخشوع فيها، إذ يعتبر إشغال النفس بالطعام والشراب إعراضًا عن ذكر الله تعالى والتوجه إليه. وقد اتفق الفقهاء على بطلان الصلاة عمدًا إذا أكل أو شرب المصلي شيئًا، أما في حالة النسيان، فقد اختلف الفقهاء: فذهب جمهورهم إلى عدم بطلان الصلاة إذا كان ما أكله أو شربه قليلًا، وذلك لعدم قصد الإعراض عن الصلاة، بينما ذهب الحنفية إلى بطلان الصلاة حتى في حالة النسيان. ومع ذلك، استثنى الفقهاء جميعًا ما قد يعلق بين الأسنان من بقايا طعام يسير، حيث يعتبر أمرًا يصعب تفاديه ولا يؤثر على صحة الصلاة.
الحركة الكثيرة
اتفق فقهاء الإسلام على أن الصلاة تبطل إذا قام المصلي بأعمال متعددة ومتتابعة لا علاقة لها بأركان الصلاة ولا بواجباتها، سواء كان ذلك عن عمد أو سهوًا. وهذه الأعمال قد تكون حركات جسدية مثل المشي أو العبث بالثياب أو اللحية، أو أي تصرف آخر يخرج عن حدود خشوع المصلي وانشغاله بالعبادة. وحكم على هذه الأعمال بأنها مبطلة للصلاة إذا كانت كثيرة ومتكررة بحيث يلاحظها من يرى المصلي ولا يشك لحظة واحدة أنه لا يزال في حالة الصلاة. وتختلف المدارس الفقهية في تحديد مقدار هذا العمل الكثير: فالحنفية يرون أن العمل يعتبر كثيراً إذا كان واضحاً لدرجة أنه لا يخطر ببال الناظر أن صاحبه ما زال مصليًا، أما الشافعية والحنابلة فيعتبرون الخطوة أو الخطوتان عملًا قليلًا لا يبطلان الصلاة، بينما ثلاث خطوات أو أكثر تعتبر عملًا كثيرًا يبطلها.
كشف العورة عمدًا
إن كشف العورة عمدًا أثناء الصلاة يمثل إجماعًا بين الفقهاء على أنه يبطلها. أما إذا انكشفت العورة بغير قصد، كأن يحدث ذلك بسبب خروج الريح، فإن الفقهاء اختلفوا في حكم ذلك. فالشافعية والحنابلة يرون أن الصلاة لا تبطل إذا قام المصلي بستر عورته فورًا. والحنفية يذهبون إلى أن انكشاف جزء بسيط من العورة، لا يتجاوز ربع العضو، ولمدة قصيرة لا تتعدى وقت أداء ركن واحد أو ثلاث تسبيحات، لا يبطل الصلاة. بينما يرى المالكية أن مجرد انكشاف العورة المغلظة يبطل الصلاة في جميع الأحوال. ومن الجدير بالذكر أن الفقهاء اتفقوا على أن ستر العورة يجب أن يكون من الجوانب، وليس من الأسفل، بمعنى أن ظهور العورة من أسفل مكان مرتفع لا يعتبر انكشافًا يبطل الصلاة.
الالتفات عن اتجاه القبلة عمدًا
تشترط صحة الصلاة أن يكون المصلي متجهًا إلى القبلة الشريفة، إلا في حالة صلاة النافلة أثناء السفر، حيث يُستثنى من هذا الشرط. فإذا تحول المصلي عمدًا عن اتجاه القبلة أثناء الصلاة، دون وجود عذر شرعي، فإن صلاته تبطل. وتختلف المذاهب الإسلامية في تحديد معنى التحول عن القبلة: فالشافعية والحنفية يرون أن التحول يحدث بتحويل الصدر عن اتجاه القبلة، بينما يرى الحنابلة والمالكية أن التحول يتم بتحريك القدمين عن مكانهما الأصلي. ومع ذلك، فإن جمهور العلماء يرون أن النسيان أو الجهل يعد عذرًا شرعيًا، مما يعني أن الصلاة لا تبطل إذا نسِي المصلي اتجاه القبلة ثم عاد إليه سريعًا.