من هم الساميون؟ سؤالٌ يفتح نافذة على أعماق التاريخ، حيث تتجذر جذور هذه الحضارة العريقة في أعماق الزمان. في هذا المقال، سنقوم برحلة استكشافية إلى عالم الساميين، سنتعرف على أصولهم، ونستعرض أبرز خصائصهم الثقافية واللغوية، كما سنناقش التطور التاريخي لمفهوم “العرق السامي” وتأثيره على الحضارات المختلفة.
دَعا نوح -عليه الصلاة والسلام- إلى التّوحيد، ولكن لم يؤمِن برسالته أحد إلّا بعض الناس، فغرق الجميع بالطوفان إلّا القليل الذين آمنوا مع نوح، والذي نجا مع نوح من أولاده ثلاثة، سام وحام ويافث، وقد قال ابن كثير: “أجمع أهل الأديان، الناقلون عن رسل الرحمن، مع ما تواتر عند الناس في سائر الأزمان على وقوع الطوفان، وأنه عمّ جميع البلاد، ولم يبقَ الله أحدًا من كفرة العباد استجابةً لدعوة نبيه المؤيد المعصوم، وتنفيذًا لما سبق في القدر المحتوم”، ولم يبقَ نسلٌ إلا من أولاد نوح، فيدلّ هذا على أن نوحًا هو أبو البشرية بعد آدم، وأولاده سام ويافث وحام هم من بقي نسلهم مستمرا ومنهم تفرّعت الأمم.
تاريخ الساميين
بعد أن تفرّق الإخوة عن بعضهم بعد انتهاء الطوفان، أنجب كل واحد منهم أولادا، فحام أنجب كوش وهو أبو النوبيين، ومصرايم وهو أبو المصريين، والحبش وهم السودانيون، وكنعان وهو أبو الكنعانيين، وفوت وهو أبو الأمازيغ، وأنجب يافث أولادا أتى من نسلهم شعوب آسيا الوسطى، ويأجوج ومأجوج، أمّا سام فهو أبو الروم والفرس والعرب، ومنه بدأ وإليه يعود تاريخ الساميين وعهدهم.
بعد أن تفرّق هو عن أخويه حام ويافث، وتفرّق أخويه عن بعضهما أيضا، ويعود مصطلح تسمية الساميين إلى العقد 1770م، حينما كان أعضاء مدرسة التاريخ يتدارسون تاريخ الساميين اشتقاقا من اسم سام، ومن الباحثين مَن يرى أن تسمية الأقوام السامية بالأقوام العربية، واللغات السامية باللغات العربية التي يرجع أساسها إلى شبه الجزيرة العربية هو أقرب للصواب، أمّا إذا حُصِّصت هذه الأقوام كل واحد باسم منفرد، ستكون تسمية السامية بالعرب تاريخيا غير منضبطة، وغير دقيقة.
قد جاء في اليهودية والإسلامية أن كل القبائل يرجع أصلها ونسبها إلى أولاد النبي نوح -عليه الصلاة والسلام- الثلاثة، يتبلور تاريخ السامية في شعوبها، التي في الأساس هي الشعوب التي تعتقد أنها انحدرت من شيم بن نوح، وقد تغير هذا الإعتقاد بعد أزمان حتى شمل الأكاديين من بابل القديمة، والعرب قاطبة باختلاف دياناتهم، والآشورييون، والكنعانيون و”يشمل ذلك الأدوميين والفنيقيين والعمانيين والأموريين”، وسائر الأقوام الآرامية، ومعهم في ذلك العبرانييون، وقسم عظيم من أثيوبيا.
مواصفات العرق السامي
لا يمكن حصر العرق السامي بمواصفاتٍ محددةٍ؛ لأن الساميين عبروا تاريخاً قديماً اختلفت فيه الأوصاف من زمن إلى زمن، كما أن الجغرافيا الممتدة بين القارات جعلت الشعوب تختلف في صفاتها، ويمكن تقسيم هذه المواصفات على فترتين.
الفترة الأولى للساميين واتسم الساميون خلالها بعدة مواصفات، سأذكر بعضها فيما يأتي:
اتصفوا بالبداوة
وهذا في الحقبة التاريخية الأقدم للسامية، حيث البيئة الصحراوية، التي تضمّ مناطق شاسعة من تواجد الساميين جعلت هذه الميزة سائدةً في مناطق الساميين عامة، وهؤلاء الساميون كانت مهنتهم الأساسية هي الرعي، ورعي الأغنام هو الأشهر، وكان الجمل هو المركوب السائد عند العرب.
نظام الأسرة الممتدة المتماسكة
والذي يشكل الأب رأس الهرم فيه، ثم يعتمد على الذكورية، فالرجل هو صاحب الرأي والشورى، وهو الذي يحكم، وهو الذي يستولي على سائر الميراث، دون إعطاء أيّ نصيبٍ للمرأة.
الإيمان والتدين
وقد اتبع بعضهم دين التوحيد الذي جاء بها النبيون، أو اتباع الشرك في بعض الفترات، والذي اعتمد على مبدأ عبادة الأوثان في كثير من الأزمنة مع الإيمان بتعدد الآلهة.
ممارسة الشعائر الدينية
مثل تقريب القرابين للآلهة، والذبائح التي كانوا يذبحونها لآلهتهم.
الفترة المتقدمة للساميين
واتسم الساميون خلالها بعدة مواصفات، سأذكر بعضها فيما يأتي:
- في المراحل المتطورة للساميين نجد أنهم حافظوا على هذا التراث مثل؛ التمسك بالأوثان وذبح القرابين لها.
- ظهرت نزعة التحرر الفردي، والملكية الفردية، بحيث أصبح الفرد قادراً على التملك خارج نطاق الجماعة.
- ظهور التفاوت الاجتماعي، وظهور الطبقية بين أفراد المجتمع السامي.
- بروز طبقة الأرستقراطيين؛ أملتها ظروف الحياة الجديدة، بسبب تقدم الساميين.
- ظهرت نظم اقتصادية جديدة، خلافاً لما كانت عليه من الطرق البدائية البسيطة، فقد عرفوا التجارة، واحترفوها، وطوروا من نظمها.
- ظهرت الملاحة البحرية، وربما يكون الساميون هم أول من ركب البحر، واستخدمه للتجارة، ونقل السلع.
- ظهور الآداب والفنون التي اتسمت في مواضيعها بالنظرة الإنسانية، التي شملت تنوع فنون الأدب، تبعاً لتنوع مناحي الحياة.
- ظهور الكهنوت، ورجال الدين والسدنة، وطبقة رجال الدين، كما تطورت العبادات، والعقائد.
- القدرة على الامتزاج، والتعاطي مع الشعوب الأخرى.
موطن الساميين
ذهب كثير من العلماء إلى أن موطن الساميين هو في شبه الجزيرة العربية، ففي الجزيرة العربية كان بدء تاريخ الساميين، في حين كانت شبه الجزيرة العربية ذات خصبٍ وخيرات وذات أنهار، ومما قيل أن سورية كانت بلدهم الأول، ومما قيل أيضا أن العراق كانت بلدهم لما فيها من خيرات ولعظيم نهريها دجلة والفرات، ومن الباحثين من حاول أن يبحث عن مواطنهم الأولى من خلال مكان السفينة ومرساها إذ حملتهم حين كان الطوفان، ومن الباحثين الذين أكّدوا أن موطنهم شبه الجزيرة المستشرق “فنكلر”، والمستشرق “تيلة”، والفرنسي “جاك دي مورجان”، والإيطالي “كايتاني”.
وقد قال الألماني فريتز: “إن ميل السطح في شبه الجزيرة، وتعرضه للرياح الموسمية، وربما كان قد تغير بانخساف في طبقات الأرض، فندر الماء في شبه الجزيرة العربية، فجف النهران الكبيران” وبهذا يكون في تاريخ الساميين أنه أول ما عرفوا قد عرفوا النهر لا الجبل، في حين قطنوا أمام نهريين عظيمين، كانا يمران من خلال شبه الجزيرة العربية، من أولها إلى منتهاها، كما أنا قطن الشومريون قرب نهرَي دجلة والفرات، وكانت أسباب هجرة الساميين جفاف الماء من النهرين وقلّته، وقد توزّعوا بين سوريا والأردن وفلسطين والعراق وغيرها من البلاد التي تحيط هذا الرقعة من الأرض.
اللغة السامية
من الرغم أن لهجات الساميين متعددة إلا أنها قريبة من بعضها إلى حدٍّ كبير جدًا، بعد أن كان مسكنهم شبه الجزيرة العربية، ومنبتُ تاريخهم أَي تاريخ الساميين في شبه جزيرة العرب، فكان هناك تجانس لغوي واجتماعي، فهم عرب بَدوٌ، يحلّون أينما كان خصب وماء، ومن الجميل ذكره، أنه رغم هجرة الساميين من شبه الجزيرة إلى ما حولها كسورية والعراق إلا أن اللغة السامية بقيت معهم قوية ومتينة، وكانت بعيدة عن أيّ تأثر، وقد أيّد هذا كله فيليب، وقد قال موسكاتي: “إن العرب بين الشعبين الباقيين اللذين يمثلان الجنس السامي، وقد احتفظوا أكثر من اليهود بالمميزات الطبيعية والخاصيات العقلية لهذا الجنس، أما لغتهم العربية فعلى الرغم من أنها أحدث اللغات السامية آدابًا، فإنها قد احتفظت بخصائص اللسان السامي الأصلي، بما في ذلك التصريف، أكثر مما احتفظت العبرية وأخواتها من اللغات السامية الأخرى، ومن هنا كانت اللغة العربية أحسن مدخل لدراسة اللغات السامية”، وحين جاء الدين الإسلامي وحازت اللغة السامية على الفضل والتفضيل وبلغت كمالَها.
الهجرات السامية من الجزيرة العربية
بدأت الهجرات السامية من الجزيرة العربية، والأسباب وراء الهجات السامية ما يلي:
- ضيق المعاش واختلاف الناس على مصادر الرزق.
- جفاف وتصحر جزيرة العرب، وجفاف الآبار، وانحسار مياه البحر، وتغير القشرة الأرضية، وهلاك الغطاء النباتي، كل هذا أدى إلى الهجرات السامية المتتابعة؛ بحثاً عن المراعي والماء.
- الحالة السياسية، والحروب، وضعف الإدارة المحلية، وفساد الوضع السياسي والاجتماعي، وتدخل كثيرٍ من الشعوب في شؤون الدول العربية.
وقد بدأت هذه الهجرات من هذه البلاد، على شكل موجاتٍ، ويمكن تقسيمها إلى أربع موجات كما يأتي:
- الموجة الأولى: هجرة الأكاديين؛ وتنقسم إلى قسمين، هما:
- الأكاديون البابليون، فقد خرجوا من الجزيرة العربية إلى بلاد ما بين النهرين، وقد أسس البابليون في جنوب البلاد الجديدة حضارة كبيرة من مدنها بابل، ومن أشهر ملوكهم سرجون الأكادي.
- الأكاديون الآشوريون؛ سكنوا شمال بلاد ما بين النهرين، وأسسوا لهم حضارة قويةً ومزدهرةً من الناحية العسكرية، فقد سيطروا على مناطق واسعة من أرض العراق والشام، واشتهر في زمنهم الطبّ، والفلك، والرياضيات، وفنون الأدب، ومن أشهر مدنهم مدينة نينوى.
- الموجة الثانية: الكنعانيون، ويمكن تقسيمهم إلى ثلاثة أقسام، هي:
- الفينيقيون؛ اتجهوا إلى بلاد الشام، وسواحل البحر الأبيض، فأنشأوا مدن صيدا وصور، وجبيل وبيروت.
- الأوجريتية؛ وقد يمموا جهة شمال سوريا، وأسسوا اللاذقية.
- المؤابيون؛ حيث أسسوا الدولة المؤابية في بلاد فلسطين والأردن.
- الموجة الثالثة: الآراميّون، وهم من البدو، سكنوا في بوادي العراق والشام، حتى وصلوا إلى العقبة، وأسسوا الدولة الكلدانية، ثم زحفوا إلى بلاد ما بين النهرين، فسكنوها.
- الموجة الرابعة: العرب الجنوبيون، اتجهوا إلى الجنوب حتى وصلوا إلى الحبشة.
نشأة معاداة السامية
امتد تاريخ الساميين، وصار أمة كبيرة لا يستهان بها، ولا يخفى أن من فرعها اليهود، التي هي الآن دولة إسرائيل، التي هي أيضا متمسك بتاريخها تاريخ الساميين، وقد نشأت معاداة السامية بسببها، فحين يذكر معاداة السامية، فيكون المقصود هم اليهود، وأول من بدأ بهذا المصطلح ألا وهو معاداة السامية هو النمساوي اليهودي “مورريتز شتاينشنايدر” في عام 1860م، ولكن لم يكون مأخوذا به بجدية حتى عام 1873م، إذ أخذ به بحزم وجدية الألماني “فيلهلم مار أول” وقد وضعه في كتابٍ تحت عنوان “انتصار اليهودية على الألمانية، وقد وصفهم أنهم أناس ليس لهم أصل ولا مبدأ، .كان حنقًا لأنهم أصبحوا أصحاب قوةٍ بين الغربيين، وفي عام 1879م، أُسّس رابطة المعادين للسامية، إلا أن هذا القول ليس ذا صواب إذ سمّوه معاداة السامية، لكن بقي متداولا ودآلًّا على معاداة اليهود، وقد أخذ اليهود هذا الأمر ذريعة عند كل اختلاف، موجّهين اتهامات العنصرية والعرقية.