الجميع يسمع باسم طارق بن زياد، لكن قليلون من يعرفون من هو طارق بن زياد، ذلك الرجل الذي دخل إلى كتب التاريخ الإسلامي بقوة كبيرة، وهو طارق بن زياد الليثي، واسمه الليثي هو اسمه بالولاء، وهو من أعظم قادة المسلمين الذين جعل الله الفتح على أيديهم وأعزّ الإسلام بهم، وقد أسلم طارق بن زياد على يد القائد المسلم موسى بن نصير، حيث كان من أشدّ وأقوى رجالاته.
وقد كان أهله من البربر، وقد ولد طارق بن زياد في عام خمسين من الهجرة، واسم طارق بن زياد الحقيقي هو طارق بن زياد النفزي، من قبيلة نفزة التي تسكن في منطقة وادي تافنة الواقعة في ولاية وهران التابعة للغرب الجزائري، وقيل عن طارق بن زياد بأنه كان ضخم الهامة وطويل القامة وأشقر اللون، لأنه من البربر، وقد كان مولى لموسى بن نصير.
وهو القائد الذي فتح الأندلس، وهي إسبانيا في الوقت الحاضر، وكان أمير أفريقيا، وولي عليها من قبل الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وهو الذي قاد أول جيوش الإسلام التي فتحت شبه جزيرة ليبيريا، وطارق بن زياد من ِأشهر القادة في التاريخ الإسلامي، وأُطلق اسمه على اسم جبل في جنوب إسبانيا، وهو جبل طارق.
إنسانية طارق بن زياد
ظهرت إنسانيّة طارق بن زياد في العديد من المواقف، وفيما يلي ذِكرٌ لأهمّها:
- قبول طارق بن زياد بأن يكون الرجل الثاني، وقناعته بذلك، وإقراره بأنَّ القائد هو موسى بن نُصير.
- وفاء طارق بعهوده؛ حيث ظهر ذلك بشكل واضح عند فتح الأندلس، فقد كان فتح الأندلس بمثابة إنقاذ لليهود الذين كانوا يتعرَّضون لمعاملة سيِّئة من قِبل القوط؛ حيث كان القوط يُجبرونهم على تعميد أطفالهم عند سنِّ السابعة من العمر، وتمَّت مُصادرة أملاكهم بعد اكتشاف مؤامرة اليهود ضِدَّهم.
- إعادة طارق بن زياد أموال الملوك إليهم، وهي التي كانت تُسمَّى ب(صفايا الملوك).
- صِدْق طارق بن زياد في إعطاء المُدن أمانها حتى أخذها أصحابها بالحيلة؛ فهو لا يَنقُض عهداً قطعه أبداً.
جهاد طارق بن زياد
شارك طارق بن زياد مع موسى بن نصير في فتوحاته الإسلاميّة، وقد أظهر مهارته في القتال، والقيادة بشكل لفت أنظار موسى بن نُصير إليه؛ ولذلك جعله يتولَّى قيادة مُقدِّمة الجيش في المغرب، واستطاعت جيوش موسى بن نُصير الوصول إلى المحيط الأطلسيّ، والسيطرة على المغرب الأقصى.
واستمرَّ طارق بن زياد في فتوحاته إلى جانب موسى بن نُصير حتى وصلا إلى أهمّ المُدن في المغرب، وهي مدينة الحسيمة، فتمَّت مُحاصَرتها حتى أسلم أهلها، وبهذا يكون المغرب قد خضع لحُكم موسى بن نُصير عدا مدينة سبتة المُحصَّنة، وقد وُلِّي طارق بن زياد على طنجة؛ حتى يستطيع مُراقبة مدينة سبتة.
فتح طارق بن زياد للأندلس
أشار موسى بن نُصير على طارق بن زياد بفتح الأندلس بعد أن وجد فُرصة لدخولها، فتوجَّه مباشرة نحو جبل طارق في عام 92 للهجرة، واستطاع فتح حصن قرطاجنّة، وسيطر على المناطق التي كانت تُجاوِر جبل طارق، وعندما عَلِم لذريق حاكم الإقليم القوطيّ بما فعله طارق بن زياد، أرسل إليه الجيوش الواحد تلو الآخر، إلّا أنَّ طارقاً كان يقضي عليها نهائيّاً، وكانت المعركة الفاصلة بين المسلمين، والقوط في سهل الفلنتيرة في رمضان من نفس العام 92 للهجرة، واستمرَّت هذه المعركة لمُدَّة ثمانية أيّام، وكان بطلها هو طارق بن زياد.
كما تجدُر الإشارة إلى معركة وادي لكة، وهي إحدى المعارك المُهمّة التي خاضها طارق بن زياد لفتح الأندلس، والتي انتصر فيها المسلمون انتصاراً كبيراً، وفيها كانت نهاية ذِكر ملك القوط (لذريق)؛ إذ إنَّه فرَّ، ولم يجد أحدٌ أيَّ أثر له؛ فكان آخر ملوك القوط، وبعد أن انتهت معركة وادي لكة سار طارق، وجيشه باتّجاه الأندلس فاتحاً المُدن التي في طريقه، كطُليطلة، وغرناطة، ومالقة، وسار طارق بجيشه، وبمُساندة موسى بن نُصير حتى استطاع فتح الأندلس بصورة نهائيّة.
ومن الجدير بالذكر أنَّ مقولة: (البحر من خلفكم، والعدوُّ من أمامكم) نُسِبت إلى طارق بن زياد، إلّا أنَّ البعض قد نفى نسبة هذه المقولة إليه، وقالوا إنَّها ليست من أقواله، وهذه المقولة إنَّما نسبها المُستشرقون له؛ حتى يجدوا سبباً لهزيمتهم أمامه، ويُقنعوا الناس بأنَّ طارق بن زياد قد أرغم جنوده على القتال الذي لا مفرَّ منه، فلا تُوجَد سُفُن لهم حتى يعودوا، وإن أرادوا الحياة والنجاة فما لهم سوى خوض هذه الحرب.
وقد ذُكِر أنَّ ممَّا يُؤكِّد زُور هذه المقولة، ونسبها إلى طارق بن زياد، هو عدم ذِكرها في أمّهات الكُتب الإسلاميّة التاريخيّة، حيث إنَّها قد ذُكِرت في الكُتب الأوروبيّة فقط، وكذلك قصّة حَرْق طارق بن زياد للسُّفُن التي اجتاز بها المسلمون البحر، فقد ذكروا أنَّها قصّة كاذبة، وتمّ تبرير ذلك بأنَّ هذه السُّفُن ليست ملكاً خاصّاً للمسلمين، ولا يستطيع أيُّ مسلم التصرُّف بها، أو إتلافها، وحرقها.
علاقة طارق بن زياد بموسى بن نصير
اختلف المؤرخون في تحديد طبيعة العلاقة التي جمعتْ بين موسى بن نصير وطارق بن زياد، فمن المؤرخين من قال إنَّ العلاقة كانت علاقة حسد من جهة موسى بن نصير لطارق بن زياد؛ بسبب فتوحاته العظيمة التي قام بها خاصَّة مسألة فتح الأندلس، وذهب غيرهم من المؤرخين إلى نفي هذا الأمر، وتشير بعض الروايات التاريخية إلى أنَّ موسى بن نصير غضب من طارق بن زياد ذات يوم فجاء بهِ وحبسه وأراد قتله لكن شفاعة رجل اسمه مغيث الرومي وهو مولى الخليفة الوليد بن عبد الملك أدَّت إلى عفو موسى عن طارق.
وذهب أصحاب هذا القول إلى أنَّ الوليد بن عبد الملك استدعى موسى وطارق بسبب هذه الحادثة، ويذكر بعض المؤرخين أيضًا أنَّ طارق عنما التقى بموسى في الأندلس بعد الفتح نزل عن جواده احترامًا لموسى، ولكنَّه قوبل بالإساءة بحجة مخالفة رأي موسى بتجاوزه قرطبة، والخلاصة إنَّ الظاهر من الروايات التاريخية أنَّ العلاقة لم تكن جيدة تمامًا بين موسى وطارق، بل حكم الحقد والغيرة بينهما طيلة سنوات تعاملهما مع بعضهما.
وفاة طارق بن زياد
تُوفِّي القائد المُجاهد طارق بن زياد عام 102 للهجرة على الأرجح، وقد انقطعت أخباره بعد وصوله إلى دمشق برفقة موسى بن نُصير، وقد اختلف المُؤرِّخون حول مصيره؛ حيث ذكر البعض أنَّه بقي دون أيِّ عمل منذ وصوله إلى دمشق، وحتى وفاته، وذكر البعض أنَّه سُجِن، وعُزِل في دمشق إلى أن تدخَّل الخليفة الوليد وأطلق سراحه.
ظهرت روايات أخرى حول مصير طارق بن زياد؛ حيث تحدَّث بعض المُؤرِّخين عن وجود خلاف بين موسى بن نُصير، وطارق بن زياد حول الغنائم التي أخذها الجيش، وقد ازداد هذا الخلاف حتى وصل إلى مسامع الخليفة الذي أمر باستدعائهما إلى دمشق؛ لحلِّ هذا الخلاف، ويُقال إنَّ طارق بن زياد آثر الابتعاد عن الأضواء مُتفرِّغاً لعبادة الله.