يشترك صيام شهر رمضان المبارك مع غيره من العبادات والطاعات في اشتراط البلوغ كشرط أساسي للتكليف، بمعنى أن الصيام لا يجب شرعاً إلا على البالغ العاقل القادر. ومع ذلك، فإن الشريعة الإسلامية السمحة قد وجهت أولياء الأمور والقائمين على تربية الأطفال إلى أهمية تعويد الصغار على ممارسة بعض العبادات، ومن بينها الصيام، وذلك كنوع من التدريب والتأهيل المبكر لهم، حتى يألف الطفل هذه الشعائر ويتعود عليها في سن مبكرة، مما يسهل عليه الالتزام بها والمحافظة عليها حين يبلغ سن التكليف الشرعي ويصبح الصيام فرضاً عليه.
ويستدل على هذا التوجيه النبوي الكريم بما ورد عن الصحابية الجليلة الربيع بنت معوذ -رضي الله عنها- حيث روت قصة تعكس هذا النهج التربوي، إذ قالت: “أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطرا، فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم”، تكمل الربيع -رضي الله عنها- قائلة: “فكنا نصومه بعد، ونصوِّم صبياننا”، أي أنهم كانوا يصومون يوم عاشوراء بعد أن أمرهم النبي بذلك، وكانوا أيضاً يعودون صبيانهم على الصيام في هذا اليوم، ويصبرونهم عليه بطريقة لطيفة، إذ كانوا “يجعلون لهم اللعبة من العهن”، أي يصنعون لهم ألعاباً من الصوف أو القطن ليشغلوهم بها ويلهو بها الصغار، “فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون الإفطار”، أي إذا جزع أحد الأطفال الصغار وبكى بسبب الجوع أو العطش، فإنهم كانوا يعطونه تلك اللعبة المصنوعة من العهن للتسلية والتلهية حتى يحين موعد الإفطار، ففي هذا الحديث دلالة واضحة على استحباب تعويد الصغار على الصيام وتحبيبهم فيه بوسائل تربوية مناسبة.
تعريف الصيام
يُعتبر الصيام من أسمى العبادات في الدين الإسلامي، حيث يجمع بين سمو الروح وتهذيب الجسد في آن واحد، فهو بمثابة مدرسة متكاملة تُعلّم الإنسان ضبط النفس والتحكم في الشهوات أمام أوامر الله عز وجل، ممثلاً بذلك قمة الخضوع والطاعة.
إن هذه العبادة ليست مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هي تربية شاملة تشمل الجوانب البدنية والنفسية، حيث تُساهم في صحة الروح والجسد معاً، وتُحدث توازناً دقيقاً بين حاجات الجسد الفطرية والضرورية لبقائه، وبين الخضوع المطلق لأوامر الله تعالى وطاعته في كل حين.
ويُعرّف الصوم في الاصطلاح الشرعي تعريفاً دقيقاً وشاملاً بأنه: الامتناع التام عن تناول الطعام والشراب، وكذلك الامتناع عن الجماع وكل ما يُفطر، وذلك من طلوع الفجر الصادق وحتى غياب الشمس بشكل كامل، مع النية الصادقة في التقرب إلى الله تعالى.
نصائح لتدريب الأطفال على صيام رمضان
سنذكر بعض النصائح لتدريب الطفل على الصيام فيما يأتي:
- بداية لا بد من تعريف مفهوم الصيام حتى يتعرف الطفل على هذه الفريضة العظيمة وعلى وليه أن يختار العبارات السهلة لإيصال مفهوم الصيام وذلك من خلال الآيات القرآنية التي تتحدث عن الصيام، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وهو أن يمتنع المسلم عن الطعام والشراب من وقت طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
- تعليم الطفل أركان الإسلام وما معنى الركن حيث إنه الأساس القوي الذي سيبنى فوقه البناء وعليه فصوم رمضان أساس من أساسات ديننا الحنيف علينا أن نلتزم به وإلا فقد البناء توازنه وثباته.
- بيان ثواب وفضل الصوم كما جاء في حديث النبي -صلى الله عليه سلم-: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، وغيرها من أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- في فضل الصيام.
- التدرج في تعلم الصيام والبدء بالخيار الأسهل ثم الأصعب كأن يمتنع الطفل عن مفسدات الصوم عددا من الساعات يختبر فيه مدى مقاومته لمغريات الطعام والشراب لفترة قصيرة من النهار قد تكون من الفجر حتى قبيل الظهر مثلا وفي اليوم التالي نزيد على هذه الفترة ساعة وهكذا في كل يوم حتى يقترب من غروب الشمس إلى صوم يوم كامل.
- مراعاة عمر الطفل أن يكون في سن التمييز وهو كما حدده الفقهاء بعمر السابعة وهو العمر الذي أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نعلم فيه أطفالنا الصلاة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع).
- محاولة إلهاء الطفل وإشغال وقته وعدم الاستسلام لأول مطالبة منه بالتوقف عن الصوم وطلب الطعام أو الشراب وهذه الفكرة قد نستلهمها من حديث الربيع بنت معوذ السالف الذكر حيث قالت أنهن كن يصنعن لعبة من العهن (أي الصوف) فإذا بكى الطفل يريد الطعام أعطينه اللعبة ليلهو بها وينسى جوعه.
- التحفيز والتشجيع وهو أمر مهم جدا لضمان استمرار الهمة والعزيمة لدى الطفل ليكمل صومه ويستحق جائزة في نهاية صومه قد تكون رحلة خارج المنزل أو ربما طعامه المفضل أو تخصص لوحة مزينة توضع في واجهة مهمة من المنزل فيها اسمه ونجوم بعدد الأيام التي صامها.
- التركيز على أهمية القدوة الحسنة إذ لا بد أن يكون ولي الطفل وكل من في محيط الطفل حريصين على إظهار المعنى الجليل للصيام من خلال التخلق بالخلق الحسن واجتناب الأخلاق السيئة وإظهار الصبر على الطاعة دون ضجر أو ملل والحرص على اغتنام الوقت بالأعمال المفيدة واجتناب الكسل وإضاعة الوقت بلا فائدة.
- الطفل كائن ذكي يستشعر أهمية العمل الذي يؤمر به من خلال تتبع أداء البالغين لهذا العمل فليكن أداء ولي الأمر على أكمل ما يكون لنغرس فيهم تعظيم شعائر الله وعدم التهاون في تطبيقها.
- غرس مفهوم الرقابة الإلهية في الطفل، وأن الله يراه ويسمعه، وأن للصوم ثماراً يعلمنا الأمانة والصدق والانضباط والدقة في المواعيد، وفيه فوائد للبدن والروح، ولا ننسى أن نعلمه فضل شهر رمضان على سائر الشهور وتميزه في مضاعفة الأجور والحسنات.
- عمل بعض الفعاليات العائلية مثل المسابقات أو حلقة لتلاوة القرآن أو للتدبر يجتمع فيها أفراد العائلة؛ مما يشيع جوا من الود والتقارب، ويجعل الصوم عبادة مميزة محببة للطفل.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.