في قلوب أكثر من ملياري مسلم، يسكن حب عميق واحترام عظيم لشخصية لم تُرَ بالعين، ولكنها استقرت في الوجدان. إنه حب نبي الأمة، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. إن الشوق لمعرفته ورؤيته هو جزء من إيمان كل مسلم، ولطالما تساءل المحبون: كيف كان شكله؟ وما هي هيئته؟ لحسن الحظ، لم يتركنا الصحابة الكرام في حيرة من أمرنا، بل نقلوا لنا أدق التفاصيل عن شكل النبي محمد ﷺ، ورسموا لنا بكلماتهم صورة حية تنبض بالجمال والجلال، حتى أصبحنا بفضل وصفهم كأننا نراه رأي العين.
إن معرفة صفات النبي الجسدية ليست مجرد فضول تاريخي، بل هي جزء من محاولة الاقتراب من شخصيته الكاملة، وفهم كيف كان هذا الجسد الشريف يحمل تلك الروح العظيمة التي أضاءت العالم. هذا المقال هو رحلة عبر كتب السنة والسيرة، لنجمع شتات هذه الأوصاف ونقدمها لك في صورة متكاملة، لتتعرف على جمال خَلقه الذي كان دليلاً على كمال خُلُقه.
الانطباع الأول: هيبة تسبقها محبة
قبل أن نخوض في تفاصيل الملامح، يجب أن نتوقف عند الأثر الذي كان يتركه فيمن يراه. لقد جمع الله له بين الجمال والجلال، فكانت رؤيته تملأ القلب مهابة وإجلالاً، ولكن ما إن يتكلم أو يبتسم، حتى تتحول هذه المهابة إلى حب وألفة. هذا ما لخصه واصفوه بعبارة بليغة: “من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه”.
كانت شخصيته تأسر القلوب، فإذا مشى بين الناس أو جلس معهم، لم يكن مجرد فرد منهم، بل كان كالشمس بين الكواكب، وكالقمر ليلة البدر، يجذب إليه الأنظار والقلوب دون تكلف أو تصنع.
القامة والبنية الجسدية: توازن القوة والجمال
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالرجل الطويل بشكل مفرط، ولا بالقصير، بل كان ربعة من القوم، أي متوسط القامة، ولكنه كان يميل إلى الطول قليلاً. ومن عجائب هيئته أنه إذا مشى مع أناس طوال، بدا أطول منهم.
أما بنيته، فكانت تدل على القوة والكمال. كان عريض ما بين المنكبين (الكتفين)، ضخم الكفين والقدمين، مما يدل على قوة بنيته. لم يكن بالبدين المترهل ولا بالنحيل الشاحب، بل كان جسده متناسقاً ومشدوداً، سواء البطن والصدر، أي أن بطنه لم يكن بارزاً عن صدره. كان لحمه متماسكاً، ليس بالناحل ولا بالسمين، بل كان مثالاً للتوازن والاعتدال.
الوجه الشريف: قمر يتلألأ
وجهه الكريم كان هو مجمع الجمال ومحط أنظار الواصفين. لم يكن مستديراً بالكامل، بل كان فيه استطالة لطيفة، وكان أبيضاً مشرباً بحمرة، أو كما وصفه الصحابة “أزهر اللون”. لم يكن أبيضاً شديد البياض كالجير، ولا بالآدم (الأسمر)، بل كان بياضاً صافياً مشرقاً، كأنه قطعة من الفضة. ووصفه بعضهم بأنه كان كالشمس والقمر في إشراقه، حتى قال أحدهم: “لهُوَ كان أجمل عندي من القمر”.
- الجبين والحاجبان: كان له جبين واسع واضح، يزيده جلالاً وجمالاً. أما حاجباه فكانا مقوسين، دقيقين، وطويلين، وكثيفين، ولكنهما غير مقرونين، أي كان بينهما فرجة بسيطة. كان بين حاجبيه عرق يظهر ويحمر عند الغضب لله.
- العينان الكحيلتان: كانت عيناه واسعتين جميلتين، وكان سوادهما شديد السواد، وبياضهما شديد البياض، وهي الصفة التي يسميها العرب “الدعج”. كانت في بياض عينيه عروق حمراء خفيفة تزيدها جمالاً. ومن أجمل صفاته أنه كان أهدب الأشفار، أي أن رموشه كانت طويلة وكثيفة بشكل طبيعي، فكان يبدو وكأنه أكحل العينين وإن لم يكن قد اكتحل.
- الأنف والفم والأسنان: كان أنفه دقيقاً، طويلاً، ومستقيماً، مع ارتفاع طفيف في وسطه، وهي صفة “الشمم” التي تدل على العزة والرفعة. أما فمه فكان واسعاً، وهي من صفات الفصاحة والبلاغة عند العرب. وكانت أسنانه بيضاء كاللؤلؤ، مُفَلَّجة، أي كان بين ثناياه الأمامية فرجة بسيطة. وكان إذا تكلم، يُرى كالنور يخرج من بين ثناياه.
الشعر واللحية: سواد الليل
- شعره الشريف: كان شعره شديد السواد، رَجِلاً، أي لم يكن مسترسلاً ناعماً كالحرير، ولا مجعداً خشناً، بل كان فيه تموجات طبيعية جميلة. كان طوله يصل أحياناً إلى شحمة أذنيه، وأحياناً أخرى يطول حتى يضرب منكبيه. كان يعتني به أشد العناية، فيدهنه ويرجله (يمشطه)، وكان يفرقه من منتصف رأسه. لم يظهر الشيب في رأسه إلا شعرات قليلة جداً عند مفرق رأسه وفي عنفقته (الشعر الصغير تحت الشفة السفلى).
- لحيته المباركة: كانت لحيته سوداء كثيفة، تملأ ما بين أذنيه، وكان يعتني بها ويهذبها ولا يتركها شعثة.
الأطراف والمشية: لين الكف وقوة الخطى
- الكفان والقدمان: كانت كفاه وقدمه ضخمتين، تدلان على القوة. ومع ذلك، كانت راحة كفه ألين من الحرير، وكانت رائحتها أطيب من المسك والعنبر، سواء مس طيباً أم لم يمس. يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: “ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله”.
- مشيه: كان يمشي مشية قوية تدل على النشاط والحيوية. كان سريع الخطى، يطوي الأرض طياً، حتى أن من يمشي معه كان يجهد نفسه ليلحق به. كان إذا مشى يتقلع، كأنما ينحط من صبب، أي كأنه يمشي على أرض منحدرة، فيرفع قدميه من الأرض رفعاً بقوة، لا يجرها جراً.
خاتم النبوة: علامة الرسالة
كان بين كتفيه صلى الله عليه وسلم علامة جسدية مميزة، وهي خاتم النبوة. وصفه الصحابة بأنه كان بحجم بيضة الحمامة، وهو عبارة عن قطعة لحم ناتئة حولها شعرات، وكان لونه كلون جسده. كانت هذه العلامة من دلائل نبوته التي عرفها أهل الكتاب من كتبهم.
صوته وكلامه وضحكه: سكينة وبلاغة
كان في صوته قوة ووضوح مع بحة خفيفة تضفي عليه جمالاً. وكان كلامه فصلاً، أي واضحاً بيناً، يفهمه كل من يسمعه. لم يكن بالثرثار ولا بالصامت، بل كان يتكلم بجوامع الكلم.
أما ضحكه، فكان في معظمه تبسماً. كان يبتسم حتى تبدو نواجذه (أضراسه)، لكنه لم يكن يقهقه بصوت عالٍ. كانت ابتسامته تضيء وجهه وتدخل السرور على قلب من يراه.
ختاما
إن هذه الأوصاف التي نقلها لنا الصحابة الكرام ليست مجرد تفاصيل جسدية، بل هي لوحة فنية رسمها حبهم وإجلالهم له. لقد كان جمال هيئته صلى الله عليه وسلم انعكاساً لجمال روحه، وكمال خلقه، وعظمة رسالته.
وعندما نقرأ وصف شكل النبي محمد ﷺ، فإننا لا نسعى فقط لإشباع فضولنا، بل نسعى لزيادة محبتنا له، وتعظيمنا لسنته، وشوقنا للقائه على الحوض. إن معرفة جمال خَلقه يجب أن تكون دافعاً لنا لنتعرف أكثر على عظمة خُلُقه، ولنجتهد في اتباعه، فهو الأسوة الحسنة التي بها تصلح دنيانا وآخرتنا. اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارزقنا شفاعته، وأوردنا حوضه، واسقنا من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبداً.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.