هل سبق لك أن أغلقت هاتفك بعد جولة على وسائل التواصل الاجتماعي وشعرت بأنك أسوأ حالاً من ذي قبل؟ هل وجدت نفسك تقارن حياتك، أو شكلك، أو حتى وجبة طعامك بما تراه على الشاشة، لتنتهي بشعور بالنقص أو القلق؟ إذا كانت إجابتك نعم، فأنت لست وحدك.
في عالمنا الرقمي، نحن محاطون بسيل لا ينتهي من المحتوى. وبينما الكثير منه ملهم ومفيد، هناك جانب مظلم ينمو في الخفاء: المحتوى السام. هذا المحتوى، الذي يتخفى غالباً وراء جماليات مبهرة ونصائح براقة حول الصحة واللياقة، يمكن أن يتسلل إلى عقلك ويؤثر سلباً على صحتك النفسية وعلاقتك بنفسك.
قد يبدو الأمر مجرد فيديو قصير عن “الأكل الصحي” أو صورة لشخص يتمتع بلياقة بدنية مثالية، لكن الخطر يكمن في الرسائل الخفية التي يرسلها وفي الطريقة التي تجعلنا نشكك في أنفسنا. في هذا المقال، سنكشف عن العلامات التحذيرية التي تدل على أنك تستهلك محتوى ضاراً، وكيف يمكنك حماية عقلك في هذا العالم المزدحم.
ما هو المحتوى السام وكيف يعمل؟
المحتوى السام هو أي مادة رقمية تروج لمعايير غير واقعية، وتشجع على المقارنة السلبية، وتؤدي إلى سلوكيات ضارة. وأبرز مثال على ذلك هو المحتوى الذي يمجد النحافة المفرطة، مثل وسم “سكيني توك” الذي تم حظره مؤخراً على “تيك توك”.
المشكلة أن هذا المحتوى مصمم بذكاء ليكون جذاباً. باستخدام موسيقى مؤثرة، وزوايا تصوير احترافية، وقصص تبدو ملهمة، يتم تغليف رسائل خطيرة في غلاف جميل. توضح خبيرة التغذية مورغان فيريك أن “هذه الفيديوهات غالباً ما تمجد النحافة المفرطة وتشجع على تخطي الوجبات”.
الخطر الأكبر يكمن في خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي. كما تشرح فيريك، “التفاعل مع فيديو واحد فقط، قد يفتح الباب لإغراقك بسيل مستمر من المحتوى المماثل”. فجأة، يتحول تطبيق الترفيه الخاص بك إلى مصدر دائم للضغط والقلق، خاصة للمراهقين والشباب الذين ما زالوا في مرحلة تكوين هوياتهم.
8 علامات تحذيرية تدل على تأثرك بالمحتوى الضار
إليك العلامات التي يجب أن تنتبه إليها لتعرف ما إذا كان المحتوى الذي تستهلكه يؤثر سلباً على صحتك النفسية:
1. الشعور بأنك “لست جيداً بما يكفي”
بعد تصفحك لإنستغرام أو تيك توك، هل تشعر بالخجل من جسدك؟ هل تبدأ في مقارنة كل جزء منك بما تراه على الشاشة؟ هذه أول وأخطر علامة تحذيرية. هذا المحتوى يقدم فكرة ضيقة جداً عن الجمال، ويلمح إلى أن أي شكل آخر للجسم هو شكل ناقص. إذا وجدت نفسك تشعر بالقلق أو بأنك “أقل مما يجب” بعد مشاهدة محتوى عن الصحة أو اللياقة، فهذه إشارة واضحة على أن الوقت قد حان لإعادة تقييم ما تتابعه.
2. الهوس بالطعام “الصحي” أو السعرات الحرارية
هل تجد نفسك تفكر باستمرار في السعرات الحرارية؟ هل تبحث بشكل مفرط عن “الأطعمة الخارقة” وتتجنب مجموعات غذائية كاملة لأن أحد المؤثرين وصفها بأنها “سيئة”؟ في ثقافتنا العصرية، قد يبدو هذا السلوك محموداً، لكنه في الحقيقة علامة تحذيرية. الانشغال المفرط بالطعام أو الوزن أو المظهر بطريقة تؤثر على جودة حياتك هو مؤشر على وجود مشكلة.
3. الشعور بالذنب بعد تناول الطعام
الطعام هو مصدر للطاقة والمتعة، وليس مصدراً للعار. إذا كنت تشعر بالذنب بعد تناول قطعة حلوى، أو بالقلق الشديد لأنك فوتَّ حصة تمرين، فهذه ليست علامة على الالتزام، بل علامة على علاقة غير صحية بالطعام. تقول الدكتورة سنام حفيظ إن هذا الشعور بالذنب يمكن أن يحول الطعام بمرور الوقت إلى شيء مخيف، مما قد يؤدي إلى اضطرابات أكل خطيرة.
4. تغيير عاداتك الغذائية سراً
هل بدأت تتجنب الأكل مع عائلتك أو أصدقائك؟ هل تتخطى وجبات الطعام أو تأكل كميات أقل من المعتاد دون إخبار أحد؟ هذه السلوكيات السرية هي علامة تحذير واضحة. قد تشمل أيضاً ممارسة الرياضة بشكل مفرط “للتعويض” عن شيء أكلته. هذه ليست عادات صحية، بل هي سلوكيات مقيدة يغذيها المحتوى السام.
5. الشعور بأن عالمك أصبح أصغر
عندما تصبح قيمة ذاتك مرتبطة بشكل وثيق بوزنك ومظهرك، قد تبدأ في تجنب المواقف الاجتماعية. ربما ترفض دعوة عشاء لأنك قلق بشأن الطعام المتاح، أو تتجنب الذهاب إلى الشاطئ لأنك غير واثق من مظهرك. رويداً رويداً، يبدأ عالمك في الانكماش، وتصبح حياتك محكومة بقواعد صارمة حول الطعام وصورة الجسد. هذا ليس أسلوب حياة صحي، بل هو سجن.
6. التقلبات المزاجية وزيادة القلق
يرسخ المحتوى السام فكرة خاطئة مفادها أن النحافة تساوي السعادة والنجاح، بينما الأجسام الأكبر حجماً ترتبط بالكسل. هذا التقييم الأخلاقي للطعام والأجسام يجعلك في حالة قلق دائم. قد تجد نفسك سريع الانفعال، أو تشعر بتقلبات مزاجية حادة، خاصة إذا لم تلتزم بالقواعد الصارمة التي فرضتها على نفسك.
7. تجاهل إشارات الجوع في جسمك
أجسامنا ذكية، فهي ترسل لنا إشارات عندما تحتاج إلى طعام. لكن اضطرابات الأكل، التي يغذيها المحتوى السام، تعلمنا تجاهل هذه الإشارات الداخلية واتباع قواعد خارجية تملي علينا متى وماذا نأكل. إذا بدأت تشكك في إشارات الجوع الطبيعية لديك أو تكذبها، فهذا يعني أنك فقدت الثقة في جسدك، وهي علامة خطيرة.
8. ممارسة الرياضة كنوع من العقاب
الرياضة يجب أن تكون احتفالاً بما يستطيع جسدك فعله، لا عقاباً على ما أكلته. إذا وجدت نفسك تمارس الرياضة بشكل قهري، أو تتدرب حتى وأنت مريض أو مصاب، فقط لحرق السعرات الحرارية، فهذه علامة على أن علاقتك بالرياضة أصبحت سامة.
ختاما
الهدف ليس شيطنة وسائل التواصل الاجتماعي أو التخلي عنها بالكامل، بل استخدامها بوعي وذكاء. أنت المتحكم في المحتوى الذي تراه. لديك القدرة على الضغط على زر “إلغاء المتابعة” أو “غير مهتم” لكل حساب يجعلك تشعر بالسوء تجاه نفسك.
املأ خلاصتك بمحتوى يلهمك ويثقفك ويسعدك، وليس بمحتوى يجعلك تشكك في قيمتك. تذكر دائماً: قيمتك كإنسان لا يحددها وزنك أو شكل جسدك أو ما تأكله. أنت أكثر من ذلك بكثير. كن واعياً، كن ناقداً، والأهم من ذلك، كن لطيفاً مع نفسك.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.