منذ فجر البشرية، لم يترك الله تعالى الإنسان وحيداً يتخبط في الظلام، بل أرسل له من يرشده ويهديه إلى الطريق الصحيح. هؤلاء المرشدون هم الأنبياء والرسل، الذين حملوا رسالة واحدة أساسها توحيد الله وعبادته. لكن، هل سألت نفسك يوماً: من أين بدأت هذه السلسلة المباركة؟ ومن كان آخر من حمل هذه الرسالة العظيمة؟
الإجابة على هذين السؤالين ليست مجرد معلومة تاريخية، بل هي جزء أساسي من عقيدة المسلم وإيمانه. في هذا المقال، سنستعرض بالأدلة الواضحة من القرآن الكريم والسنة النبوية من هو أول الأنبياء ومن هو خاتمهم، لنفهم معاً الحكمة من هذا الترتيب.
من هو أول نبي أُرسل للبشر؟
الإجابة المباشرة: أول نبي هو أبونا آدم، عليه السلام.
قد يعتقد البعض أن آدم عليه السلام كان مجرد أول إنسان، لكن العقيدة الإسلامية توضح أنه كان أيضاً أول نبي. فبعد أن خلقه الله تعالى وعلمه الأسماء كلها وأسكنه الجنة، أنزله إلى الأرض ليكون خليفة فيها. وكيف يمكن أن يبدأ الوجود البشري على الأرض دون هداية أو توجيه؟
الدليل من السنة النبوية:
الدليل على نبوة آدم عليه السلام يأتي بشكل صريح وواضح في السنة النبوية. في حديث رواه الإمام أحمد في مسنده، سأل الصحابي أبو ذر الغفاري النبي محمداً صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله، أيُّ الأنبياء كان أول؟” قال: “آدم”. قال: “يا رسول الله، ونبيٌّ كان؟” قال: “نعم، نبيٌّ مُكلَّم”.
هذا الحديث حاسم ولا يترك مجالاً للشك. آدم عليه السلام لم يكن فقط أول إنسان، بل كان نبياً يتلقى الوحي والكلام من الله تعالى مباشرةً. كانت مهمته تعليم أبنائه وذريته من بعده أساسيات الإيمان: عبادة الله وحده، والابتعاد عما يغضبه. لقد وضع حجر الأساس للرسالة التي سيحملها جميع الأنبياء من بعده.
سلسلة الأنبياء: حبل الهداية الممتد
بعد آدم عليه السلام، كلما ابتعد الناس عن تعاليمه وضلوا عن الطريق، أرسل الله تعالى نبياً جديداً ليعيدهم إلى جادة الصواب. كانت رسالة جميع الأنبياء واحدة في جوهرها: “اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ”.
هذه السلسلة الذهبية امتدت عبر آلاف السنين وشملت أنبياء عظاماً مثل:
- نوح عليه السلام: الذي دعا قومه 950 سنة.
- إبراهيم عليه السلام: أبو الأنبياء الذي بنى الكعبة.
- موسى عليه السلام: الذي أُنزلت عليه التوراة وواجه فرعون.
- عيسى عليه السلام: الذي أُرسل إلى بني إسرائيل وأُنزل عليه الإنجيل.
يؤكد القرآن الكريم هذه الحقيقة في قوله تعالى: “وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ” (سورة النحل، الآية 36). هذا يوضح أن رحمة الله شملت جميع الأمم، فلم تترك أمة دون مرشد أو نذير.
من هو آخر نبي خُتمت به الرسالات؟
الإجابة المباشرة: آخر وخاتم الأنبياء والمرسلين هو محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم.
هذه الحقيقة هي ركن أساسي من أركان الإيمان في الإسلام. فبعد أن أرسل الله سلسلة طويلة من الأنبياء، ختم هذه السلسلة برسالة عالمية وخالدة، صالحة لكل زمان ومكان، وحملها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
الدليل من القرآن الكريم:
الدليل القاطع يأتي من كتاب الله تعالى نفسه، حيث يقول في وصف نبيه الكريم: “مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ” (سورة الأحزاب، الآية 40).
كلمة “خَاتَمَ” هنا تعني “الآخر” و”الذي يختم ويُنهي”. فبرسالته اكتمل الدين، وتمت النعمة، ولم يعد هناك حاجة لنبي جديد بعده، لأن رسالته (القرآن الكريم) محفوظة من التحريف وموجهة للبشرية جمعاء حتى قيام الساعة.
الدليل من السنة النبوية:
شرح النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة بنفسه من خلال مَثَلٍ بليغ وجميل، حيث قال:
“إنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ (طوبة) مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ” (رواه البخاري ومسلم).
ختاما
إن ترتيب الأنبياء من آدم إلى محمد عليهما الصلاة والسلام ليس مجرد ترتيب زمني، بل هو تعبير عن حكمة الله ورحمته. بدأت البشرية بنبي يعلمها أبجديات الحياة والإيمان، واكتملت مسيرتها بنبي جاء بالرسالة النهائية الكاملة التي لا تحتاج إلى تعديل أو إضافة. الإيمان بهذه السلسلة المباركة، من أولها إلى آخرها، هو جوهر التسليم لله رب العالمين.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.