الفرق بين الإسلام والإيمان والإحسان كما ورد في الحديث

كثيرًا ما نسمع مصطلحات “الإسلام” و”الإيمان” و”الإحسان”، وقد نستخدمها بشكل متبادل، لكن في جوهر الدين، تمثل هذه الكلمات ثلاث مراتب متدرجة، كل واحدة منها تبني على الأخرى وتعمقها. إنها ليست مجرد كلمات، بل هي خارطة طريق توضح علاقة العبد بربه، من الأعمال الظاهرة إلى يقين القلب، وصولاً إلى أرقى درجات المراقبة والكمال.

أفضل وأوضح شرح لهذه المراتب لم يأتِ من كتاب فلسفي معقد، بل جاء في حوار مباشر ونوراني دار بين أعظم مَلَك، جبريل عليه السلام، وأعظم بشر، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. هذا الحديث، المعروف بـ”حديث جبريل”، لا يشرح هذه المفاهيم فحسب، بل يرسمها بشكل عملي وواضح.

قبل أن نفصّل في كل مرتبة، لا بد من ذكر المصدر الذي نستقي منه هذا الفهم. الحديث رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو حديث صحيح ومشهور ورد في صحيح مسلم. وملخصه أن رجلاً شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد من الصحابة، جلس عند النبي ﷺ وسأله أسئلة محددة عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، والساعة. وفي نهاية الحديث، أخبر النبي ﷺ أصحابه أن السائل هو “جبريل أتاكم يعلمكم دينكم”.

هذا الحديث هو الأصل في تقسيم الدين إلى هذه المراتب الثلاث.

الإسلام (الأعمال الظاهرة)

عندما سأل جبريل عليه السلام: “يا محمد، أخبرني عن الإسلام”، كان الجواب هو تعريف الأركان الخمسة العملية للدين.

الدليل من الحديث:

فقال رسول الله ﷺ: “الإِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا.”

الإسلام هو المرتبة الأولى والأساس، وهو يمثل الاستسلام والخضوع الظاهري لأوامر الله. إنه “الجسد” للدين؛ الأفعال التي نقوم بها بجوارحنا ويرآها الناس:

  • الشهادتان: الإعلان باللسان.
  • الصلاة: حركات جسدية وعبادة ظاهرة.
  • الزكاة: إعطاء المال، وهو فعل مادي.
  • الصوم: امتناع جسدي عن الطعام والشراب.
  • الحج: رحلة وأفعال جسدية.

كل من يؤدي هذه الأركان يُحكم له بالإسلام ظاهراً، وتحفظ له حقوقه كمسلم. إنه الإطار الخارجي للدين الذي لا بد منه.

الإيمان (العقائد الباطنة)

بعد أن صدّق السائل جواب النبي عن الإسلام، انتقل إلى مرتبة أعمق وسأل: “فأخبرني عن الإيمان”. هنا انتقل الجواب من الأعمال الظاهرة إلى ما يسكن في القلب.

الدليل من الحديث:

قال: “أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.”

الإيمان هو “الروح” التي تسري في جسد الإسلام. إنه التصديق القلبي الجازم الذي لا يتزعزع. هذه الأركان الستة لا يمكن لأحد أن يراها، فهي علاقة بينك وبين الله:

  • الإيمان بالله: اليقين بوجوده ووحدانيته.
  • الإيمان بالملائكة والكتب والرسل: التصديق بكل ما أخبرنا الله به عن عالَم الغيب.
  • الإيمان باليوم الآخر: اليقين بالحساب والجنة والنار.
  • الإيمان بالقدر: التسليم المطلق لحكمة الله في كل ما يقع.

فالمؤمن (صاحب الإيمان) هو مسلم بالضرورة، لكنه أضاف إلى الأعمال الظاهرة يقيناً قلبياً عميقاً. الإيمان هو ما يعطي لأعمال الإسلام قيمتها الحقيقية.

الإحسان (كمال العبادة)

ثم ارتقى السائل إلى أعلى مرتبة وسأل: “فأخبرني عن الإحسان”. فكان الجواب تعريفاً لحالة وليس لأفعال، حالة من المراقبة والكمال.

الدليل من الحديث:

قال: “أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ.”

الإحسان هو “الكمال والجمال” في الدين. إنه أعلى مرتبة يصل إليها العبد، حيث يمتزج جسد الإسلام بروح الإيمان، وتتوج كل ذلك بمراقبة الله في كل لحظة.

  • “أن تعبد الله كأنك تراه”: هذه هي “عبادة الشوق والمحبة”. أن تصل إلى درجة من اليقين تجعلك تشعر وكأنك ترى الله أمامك، فتكون عبادتك في منتهى الخشوع والإتقان.
  • “فإن لم تكن تراه فإنه يراك”: وهذه هي “عبادة الخوف والرجاء”. إن لم تصل إلى المرتبة الأولى، فتذكر دائماً أن الله يراك ويطلع على سرك وعلانيتك، وهذا يجعلك تستحي أن تعصيه وتتقن عملك له.

المُحسن (صاحب الإحسان) هو مؤمن ومسلم بالضرورة، لكنه أضاف إلى إسلامه وإيمانه درجة من الإتقان والمراقبة جعلت كل عباداته ومعاملاته في أبهى صورها.

إن الإسلام والإيمان والإحسان ليست مفاهيم منفصلة، بل هي درجات في سلم واحد. يمكن تشبيهها بالدوائر المتحدة المركز:

  • الدائرة الكبرى هي الإسلام: وتشمل كل من نطق الشهادتين وأدى الأركان.
  • بداخلها دائرة الإيمان: وهي أخص، وتشمل من استقر اليقين في قلبه.
  • وفي مركزها دائرة الإحسان: وهي صفوة أهل الإيمان.

فكل مُحسن هو مؤمن، وكل مؤمن هو مسلم. والعكس ليس صحيحاً. والغاية التي يجب أن يسعى إليها كل مسلم هي ألا يكتفي بأعمال الجوارح، بل أن يسقيها بماء اليقين، ثم يجملها ويتقنها حتى يصل إلى مرتبة الإحسان، فيعيش حياة كلها لله، وكأنه يراه.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية