جيش من المرسلين: هل تعرف كل الأنبياء؟

عندما نفكر في الأنبياء والرسل، تقفز إلى أذهاننا فورًا أسماء عظيمة ومألوفة: نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، ومحمد عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام. لقد سمعنا قصصهم، وتعلمنا من تضحياتهم، واستلهمنا من صبرهم. لكن هل هؤلاء هم كل من أرسلهم الله لهداية البشرية؟ هل قائمة الأنبياء تقتصر على هؤلاء الذين نعرف أسماءهم؟

الإجابة التي يقدمها القرآن الكريم هي إجابة مذهلة في عظمتها واتساعها. الحقيقة أن هؤلاء الرسل الكرام ليسوا إلا قلة قليلة من جيش هائل من المرسلين الذين بعثهم الله إلى كل أمة وكل قرية على مر العصور.

قبل أن نتحدث عن العدد، يجب أن نضع الأساس الأهم: الإيمان بجميع الأنبياء والرسل هو ركن من أركان الإيمان الستة في الإسلام. هذا لا يعني فقط الإيمان بمن نعرفهم، بل الإيمان بكل نبي ورسول أرسله الله، سواء عرفنا اسمه وقصته أم لا.

  • الدليل القرآني: يقول الله تعالى في أواخر سورة البقرة: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾ (البقرة: 285).

هذه الآية هي قاعدة ذهبية. هي تخبرنا أن المؤمن الحقيقي لا يقول: “أنا أؤمن بموسى ولكن لا أؤمن بعيسى” أو “أؤمن بمحمد ولكن لا أؤمن بإبراهيم”. الإيمان الصحيح هو الإيمان بهم جميعًا كإخوة أرسلهم إله واحد برسالة واحدة في جوهرها: عبادة الله وحده. “لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ” تعني أننا نجلّهم ونحترمهم جميعًا بنفس القدر.

القرآن الكريم ذكر لنا بالاسم خمسة وعشرين (25) نبيًا ورسولاً. هؤلاء هم الذين قص الله علينا حكاياتهم بتفاصيل متفاوتة، لكي نأخذ منها العبرة والدرس. منهم آدم، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وشعيب، وموسى، وهارون، وذو الكفل، وداود، وسليمان، وإلياس، واليسع، ويونس، وزكريا، ويحيى، وعيسى، ومحمد خاتمهم جميعًا، صلى الله عليهم وسلم أجمعين.

قصص هؤلاء لم تُذكر للتسلية، بل كل قصة هي بمثابة درس عملي في الإيمان والصبر والتضحية والتوكل على الله.

وهنا نصل إلى قلب الموضوع. هل هؤلاء الخمسة والعشرون هم كل الأنبياء؟ القرآن يجيب بوضوح وصراحة بالنفي.

  • الدليل القرآني الأول: يقول الله تعالى مخاطبًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ (غافر: 78).

هذه الآية هي الدليل القاطع. الله يخبرنا بشكل مباشر أن هناك رسلًا تم ذكر قصصهم في القرآن، وهناك رسل آخرون لم يتم ذكر قصصهم. هذا يعني أن القائمة التي نعرفها ليست مكتملة، بل هي مجرد أمثلة اختارها الله لحكمته.

  • الدليل القرآني الثاني: يؤكد الله على شمولية رسالته للبشرية كلها فيقول: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ (فاطر: 24).

هذه الآية تعني أنه ما من أمة أو مجموعة من الناس في التاريخ إلا وقد جاءها نبي أو رسول ليحذرها ويرشدها. تخيل عدد الأمم والحضارات التي مرت على الأرض منذ آدم عليه السلام! هذا يعني أن عدد الأنبياء هائل جدًا، وأن رحمة الله شملت كل الشعوب في كل بقاع الأرض.

هل هناك عدد محدد؟ هناك حديث نبوي (مختلف في درجة صحته) يذكر أن عدد الأنبياء كان 124,000، وأن عدد الرسل منهم كان 315. لا يمكننا الجزم بهذا الرقم، لكنه يتوافق تمامًا مع فكرة الكثرة الهائلة التي تشير إليها آيات القرآن. الأهم ليس معرفة الرقم الدقيق، بل الإيمان بحقيقة وجودهم.

لماذا لم يخبرنا الله بقصص كل هؤلاء الأنبياء؟

  1. وحدة الرسالة: كانت رسالتهم جميعًا واحدة في جوهرها: التوحيد. القصص المذكورة في القرآن كافية تمامًا لتقديم كل الدروس والعبر التي نحتاجها.
  2. اختبار الإيمان بالغيب: الإيمان بأن الله أرسل أنبياء لا نعرفهم هو جزء من إيماننا بالغيب، وهو دليل على صدق تسليمنا لله.
  3. التركيز على الرسالة الخاتمة: القرآن هو الكتاب المهيمن والرسالة الأخيرة، لذلك ركز على القصص التي تخدم وتوضح هذه الرسالة النهائية التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

الإيمان بوجود آلاف الأنبياء الذين لا نعرفهم يفتح قلوبنا على حقيقة عظيمة: رحمة الله لم تكن محصورة في مكان أو زمان واحد. لقد شملت كل البشرية، وأقامت الحجة على كل الناس بإرسال هادٍ ومرشد لكل أمة.

واجبنا هو أن نؤمن بهم جميعًا إجمالاً، وأن نوقرهم ونحترمهم، وأن نعرف أن قصة الهداية الإلهية هي قصة أكبر وأوسع بكثير مما نتخيل. إنها قصة جيش عظيم من المرسلين، لا نعرف منهم إلا قلة، ولكنهم جميعًا كانوا أنوارًا أضاءت ظلمات الأرض عبر العصور.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية