عندما يرخي الليل سدوله بعد يوم حافل بالعمل والمشاغل، يأوي كل منا إلى فراشه باحثاً عن الراحة والسكينة. لكن النوم ليس مجرد استراحة للجسد، بل هو “موتة صغرى” تسلّم فيها روحك إلى خالقها، ولا تعلم أتستيقظ بعدها أم لا. لهذا السبب، علمنا نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن نختم يومنا بذكر الله، لنبيت في حفظه ورعايته، ونستيقظ على بركة منه وفضل.
إن أذكار ما قبل النوم ليست مجرد كلمات نرددها، بل هي حصن منيع يحميك من الشرور، ومصدر طمأنينة يغمر قلبك، وصلة لا تنقطع مع الله حتى وأنت نائم.
خطوات مباركة تهيئك للنوم
قبل أن تغوص في عالم الأذكار، هناك سنتان عظيمتان كان يفعلهما النبي صلى الله عليه وسلم تهيئةً لنومه:
- الوضوء قبل النوم: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام. هذا الطهور ليس فقط نظافة للجسد، بل هو نور للروح. فمن بات طاهراً، بات في شعاره ملك يدعو له كلما استيقظ قائلاً: “اللهم اغفر لعبدك فلان، فإنه بات طاهراً”.
- نفض الفراش: من السنة أيضاً أن تنفض فراشك ثلاث مرات قبل أن تضطجع عليه، قائلاً “باسم الله”. هذه الحركة البسيطة، بالإضافة إلى فائدتها العملية في تنظيف الفراش، هي تطبيق للسنة واتباع لهدي نبيك.
الدعاء الجامع: “باسمك ربي وضعت جنبي”
هذا هو الدعاء الأساسي الذي تبدأ به ليلتك، وهو إعلان كامل بتسليم أمرك كله لله.
النص الكامل للدعاء: “بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، فَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ”.
هذا الدعاء يجسد قمة التوكل. أنت تبدأ نومك باسم الله، وتستودعه روحك، فإن قبضها كانت في رحمته، وإن أرسلها كانت في حفظه ورعايته.
سور وآيات قرآنية: نور وحماية لا تنقطع
القرآن هو خير ما يُختم به اليوم. وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآيات والسور بفضل عظيم عند قراءتها قبل النوم:
1. آية الكرسي
هي أعظم آية في القرآن، ومن قرأها قبل نومه “لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبُهُ شَيْطَانٌ حَتَّى يُصْبِحَ”. تخيل أن الله يوكل بك حافظاً يحرسك طوال الليل، فلا يقدر عليك شيطان ولا يؤذيك كابوس. اجعلها آخر ما تقرأ قبل أن تغمض عينيك.
2. آخر آيتين من سورة البقرة
قال عنهما النبي صلى الله عليه وسلم: “من قرأهما في ليلة كفتاه”. ومعنى “كفتاه” أي كفتاه من كل سوء وشر، وقيل كفتاه عن قيام الليل، وقيل كفتاه من الشيطان. إنهما كنز عظيم وفضل كبير في آيتين فقط.
3. المعوذات (الإخلاص والفلق والناس)
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما “قل هو الله أحد” و”قل أعوذ برب الفلق” و”قل أعوذ برب الناس”، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. هذه الرقية النبوية البسيطة هي وقاية لك من كل عين حاسد، ومن كل شر ظاهر أو باطن.
4. سورة الملك
هذه السورة لها فضل خاص جداً. قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم أنها “المانعة، هي المنجية تنجي من عذاب القبر”. كان عليه الصلاة والسلام لا ينام حتى يقرأها. اجعل قراءتها عادة يومية، فهي ثلاثون آية تكون لك شفيعة ومنجية في أصعب المواطن.
التسبيح: ختام يومك بذكر يمنحك القوة
علم النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وزوجها علياً رضي الله عنهما ذكراً عظيماً قبل النوم، وقال إنه خير لهما من خادم.
- تُسبّح الله 33 مرة (سبحان الله)
- تحمد الله 33 مرة (الحمد لله)
- تُكبّر الله 34 مرة (الله أكبر)
هذا الذكر لا يمحو ذنوبك فقط، بل يمنحك قوة في جسدك تعينك على أعباء اليوم التالي.
ختاما
إن المحافظة على أذكار النوم هي استثمار لأثمن أوقاتك. أنت لا تذهب إلى النوم فحسب، بل تذهب إلى موعد مع السكينة والطمأنينة، وتضع نفسك في حماية من لا تأخذه سنة ولا نوم.
قد تبدو هذه الأذكار كثيرة في البداية، لكن ابدأ بما تستطيع. ابدأ بآية الكرسي والمعوذات، ومع الوقت ستجد نفسك تضيف المزيد بكل حب وشوق. تذكر أن كل ليلة تختمها بذكر الله هي ليلة تُكتب لك في ميزان حسناتك، وتستيقظ بعدها بنشاط وقوة، مستعداً ليوم جديد في طاعة الله.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.







