كيف تتكون الصحاري؟ ولماذا بعضها بارد؟

عندما نسمع كلمة “صحراء”، تقفز إلى أذهاننا فوراً صورة الكثبان الرملية الذهبية تحت أشعة الشمس الحارقة، والجِمال التي تسير بخطى وئيدة. هذه الصورة صحيحة، لكنها لا تروي القصة كاملة. فهل تعلم أن أكبر صحراء في العالم هي قارة متجمدة من الجليد؟ وهل تساءلت يوماً عن القوى الطبيعية الهائلة التي تنحت هذه المناظر الطبيعية القاسية وتصنعها؟

إن قصة تكون الصحاري ليست مجرد قصة عن الحرارة، بل هي حكاية عن الجفاف الشديد، حركة الرياح، وحتى ظل الجبال الشاهقة.

في هذا المقال، سنكشف لك أسرار الصحاري، ونشرح ببساطة كيف تولد هذه البيئات الفريدة، ولماذا يمكن أن تكون شديدة الحرارة أو متجمدة البرودة.

ما الذي يجعل المكان صحراء؟

قبل أن نغوص في التفاصيل، يجب أن نصحح مفهوماً شائعاً. السر الذي يعرّف الصحراء ليس الحرارة، بل هو الجفاف.

يعرّف العلماء الصحراء بأنها أي منطقة تتلقى كمية قليلة جداً من الأمطار (الهطول) سنوياً، تحديداً أقل من 250 ملم (حوالي 10 بوصات) في السنة. في بعض الصحاري شديدة الجفاف، قد لا تمطر لسنوات طويلة. هذا النقص الحاد في المياه هو ما يمنع نمو النباتات بكثافة ويخلق الظروف القاسية التي تميز البيئة الصحراوية، سواء كانت تغطيها الرمال أو الصخور أو حتى الجليد.

كيف تولد الصحاري الحارة؟

معظم الصحاري الحارة التي نعرفها، مثل الصحراء الكبرى وصحراء الربع الخالي، لم تتشكل بمحض الصدفة، بل هي نتاج أنظمة مناخية عالمية ضخمة. إليك أهم أسباب تكونها:

1. حزام الضغط الجوي العالي (The High-Pressure Belt)

هذا هو السبب الرئيسي وراء وجود أكبر الصحاري في العالم. تخيل كوكب الأرض:

• عند خط الاستواء، تسخن الشمس الهواء بشدة، فيرتفع إلى الأعلى محملاً بالرطوبة.
• عندما يرتفع، يبرد ويفقد رطوبته على شكل أمطار غزيرة، وهذا ما يخلق الغابات الاستوائية المطيرة.
• بعد أن أصبح جافاً، ينتقل هذا الهواء شمالاً وجنوباً، ثم يبدأ بالهبوط مجدداً حول مداري السرطان والجدي.
• هذا الهواء الهابط يكون جافاً جداً ودافئاً، فيمنع تشكل السحب ويوقف هطول الأمطار، مما يؤدي إلى تكون حزام من الصحاري حول الكوكب في هذه المناطق.

أمثلة: الصحراء الكبرى في أفريقيا، وصحراء كالاهاري، وصحراء شبه الجزيرة العربية تقع جميعها ضمن هذا الحزام.

2. ظاهرة ظل المطر (The Rain Shadow Effect)

تلعب السلاسل الجبلية الشاهقة دوراً كبيراً في صناعة بعض الصحاري. يحدث هذا عندما:

• تتحرك رياح رطبة قادمة من المحيط باتجاه سلسلة جبلية.
• عندما تصطدم بالجبل، تُجبر على الارتفاع إلى الأعلى.
• كلما ارتفع الهواء، برد وفقد قدرته على حمل الرطوبة، فتتساقط الأمطار بغزارة على هذا الجانب من الجبل، مكونةً بيئة خضراء وخصبة.
• عندما يعبر الهواء قمة الجبل ويهبط على الجانب الآخر، يكون قد فقد كل رطوبته وأصبح جافاً تماماً، فيخلق “ظلاً من المطر”، أي منطقة جافة جداً تتحول إلى صحراء.

أمثلة: صحراء أتاكاما في تشيلي، وهي أكثر الأماكن جفافاً على وجه الأرض، تقع في ظل المطر لجبال الأنديز.

3. البعد عن المحيطات (القارية)

بعض الصحاري تتكون ببساطة لأنها بعيدة جداً عن مصادر الرطوبة كالمحيطات والبحار. عندما تنتقل الرياح فوق مساحات شاسعة من اليابسة، فإنها تفقد رطوبتها تدريجياً على طول الطريق. بحلول الوقت الذي تصل فيه إلى قلب القارة، تكون قد أصبحت جافة تماماً.

أمثلة: صحراء جوبي في آسيا الوسطى هي مثال كلاسيكي على الصحراء القارية.

ولماذا بعض الصحاري باردة؟

هنا نصل إلى الجزء المدهش من القصة. إذا كانت الصحراء تُعرّف بالجفاف، فماذا عن الأماكن المتجمدة؟

السبب في وجود الصحاري الباردة يعود إلى مبدأ فيزيائي بسيط: الهواء البارد لا يستطيع حمل الكثير من بخار الماء (الرطوبة).

1. الصحاري القطبية

تعتبر المنطقتان القطبيتان، القطب الشمالي والقطب الجنوبي (أنتاركتيكا)، أكبر صحاري العالم.

• الهواء في هذه المناطق بارد لدرجة التجمد طوال العام.
• بسبب البرودة الشديدة، يكون الهواء جافاً للغاية، وكمية الأمطار أو الثلوج التي تتساقط سنوياً قليلة جداً (أقل من 200 ملم)، مما يجعلها تصنف تقنياً كصحاري.
• قارة أنتاركتيكا هي أكبر صحراء على كوكب الأرض، وهي صحراء جليدية قاسية.

2. صحاري المرتفعات (الباردة)

تتشكل هذه الصحاري في المناطق المرتفعة جداً، مثل هضبة التبت أو أجزاء من صحراء الحوض العظيم في أمريكا الشمالية. يكون المناخ في هذه المناطق صحراوياً بارداً بسبب الارتفاع الشاهق الذي يجعل الهواء بارداً وجافاً، مع شتاء متجمد وصيف قصير ودافئ.

ختاما

من الكثبان الرملية الحارقة في الصحراء الكبرى إلى الصفائح الجليدية الشاسعة في أنتاركتيكا، تعلمنا أن الصحراء تأتي بأشكال مدهشة ومتنوعة. إنها قصة عن غياب الماء، وعن قدرة الطبيعة على خلق بيئات متطرفة تتحدى مفاهيمنا.

في المرة القادمة التي تفكر فيها في الصحراء، تذكر أنها ليست مجرد فراغ حار، بل هي دليل على قوة الأنظمة المناخية للكوكب، وهي أيضاً موطن لأنظمة بيئية فريدة تكيفت مع أصعب الظروف ببراعة مذهلة.