سورة الكهف هي سورة مكية، عدد آياتها 110 آية، تقع في الجزءين الخامس عشر والسادس عشر من القرآن الكريم، وتُعتبر من السور المتأخرة في النزول، حيث نزلت بعد سورة الإسراء وقبل سورة مريم. تُعرف هذه السورة بمواضيعها المتنوعة التي تدور حول التحذير من الفتن، والتبشير والإنذار، بالإضافة إلى ذكر مشاهد من يوم القيامة. كما تشتهر السورة بقصصها المؤثرة، مثل قصة أصحاب الكهف، وقصة صاحب الجنتين، وقصة موسى والخضر، وقصة ذي القرنين. هذه القصص تحمل في طياتها عبرًا وعظات عميقة، وتُعتبر السورة نورًا لقارئها، خاصةً عند قراءتها يوم الجمعة، كما ورد في الأحاديث النبوية.
يُستحب للمسلم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، في يوم الجمعة، وقد ورد في سنة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- العديد من الأحاديث التي تدل على ذلك. أما بالنسبة لوقت قراءتها، فقد تعددت آراء العلماء؛ فمنهم من رأى أن قراءتها تُستحب ليلة الجمعة، بينما ذهب آخرون إلى أن وقتها ممتد من ليلة الجمعة حتى غروب شمس يومها، أي يجوز قراءتها في أي وقت خلال هذه الفترة، سواءً في الليل أو النهار، ولا يوجد وقت مفضل على آخر.
سبب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
تكمن الحكمة من استحباب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة في محتواها المليء بالمواعظ والعبر، حيث تتناول السورة أهوال يوم القيامة ومشاهده. ولأن يوم الجمعة يشبه يوم القيامة في اجتماع الناس لأداء صلاة وخطبة الجمعة، فإن قراءة سورة الكهف في هذا اليوم تحمل معاني تذكيرية مهمة: فقراءتها نهارًا تُعيد إلى ذهن القارئ أهوال يوم القيامة وشدائده، بينما قراءتها ليلًا تُنبّه إلى قرب يوم القيامة واحتمالية حلوله بعد ليلة الجمعة، مما يجعل المسلم دائم الاستعداد والذكرى.
كما تحمل سورة الكهف في مضمونها قصصًا متنوعة تُظهر أن الوقاية من الفتن تتحقق بالعمل والسعي، وأن الوسيلة الوحيدة لتجاوز هذه الفتن والنجاة منها هي التمسك بالقرآن الكريم وأوامر الله تعالى. وقد سبق الذكر أن المداومة على قراءة سورة الكهف كل جمعة تُعدّ سببًا في حماية المسلم من أخطر الفتن، وهي فتنة المسيح الدجال.
هل يجوز قرائتها متفرقة على فترات؟
لم يرد نصٌّ في الأحاديث التي تُشجّع على قراءة سورة الكهف يوم الجمعة يُلزم بقراءتها دفعةً واحدة. بناءً على ذلك، يجوز قراءتها على فترات متقطعة خلال اليوم. الهدف الأساسي هو قراءة السورة كاملة في يوم الجمعة، سواءً كانت القراءة متواصلة أو مُجزّأة، ففي كلا الحالتين يتحقق المطلوب. كما يجوز قراءة السورة في الصلاة، ومن الأفضل المُبادرة بقراءة السورة وعدم تأخيرها، امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾.
فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
وردت أحاديث نبوية شريفة عديدة تُبيّن فضل قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة، ومن هذه الأحاديث:
- فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة عظيم، حيث تُضيء لقارئها نورًا يمتد ما بين الجمعتين، وهذا الفضل مستند إلى الحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: “من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين”. هذا الحديث يُبيّن أهمية قراءة هذه السورة المباركة في يوم الجمعة وما يترتب عليها من نور وهداية لقارئها.
- سورة الكهف وقاية من فتنة المسيح الدجال، فقد ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قوله: “مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ”، أي أن حفظ هذه الآيات العشر الأولى من السورة يقي المسلم من فتنة الدجال.
وفي فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أيضا قد وردت روايات عن أبي سعيد الخدري، منها ما هو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما هو موقوف عليه، جاء فيها: “مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَطَعَ لَهُ نُورٌ مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ يُضِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَغُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ”. ومعنى ذلك أن نورًا يضيء لقارئها من موضع قدمه إلى السماء، ويكون له نورًا يوم القيامة، إضافةً إلى مغفرة ذنوبه بين الجمعتين. ومع ذلك، يرجح بعض العلماء صحة الرواية الموقوفة على أبي سعيد الخدري. وقد وردت أيضًا الإشارة إلى مغفرة ما بين الجمعتين في نفس الحديث المذكور.