10 فوائد التبرع بالدم

قبل ذكر فوائد التبرع بالدم نشير أنه في هذه اللحظة الراهنة، بينما تكتب هذه الكلمات وتقرأها أنت، هناك شخص ما في أمس الحاجة إلى نقل الدم، فبدون هذه المساعدة الطبية العاجلة، قد يصبح بقاؤه على قيد الحياة في خطر شديد. ولعل خير دليل على هذه الحاجة الماسة ما تشير إليه الإحصائيات في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، حيث يُقدّر أن شخصاً ما يحتاج إلى نقل دم فوري كل ثانيتين، مما يُبرز حجم الطلب الهائل على هذه المادة الحيوية.

وبطبيعة الحال، لا يخفى على أحد أهمية التبرع بالدم بالنسبة للمرضى الذين يعتمدون عليه للبقاء على قيد الحياة أو التعافي من الأمراض والإصابات، فهذا الأمر بديهي وراسخ في الأذهان. لكن ما قد يغفل عنه البعض هو الفوائد الجمة التي تعود على المتبرعين أنفسهم الذين يُقدمون على هذا العمل الإنساني النبيل بشكل دوري ومنتظم، فهم لا يُساهمون فقط في إنقاذ الأرواح، بل يُجنون أيضاً ثماراً صحية جمة.

1. تجديد الدم

كما هو معلوم، تتجدد خلايا الدم الحمراء، التي تُعتبر المكون الأساسي للدم والمسؤولة عن نقل الأكسجين إلى جميع خلايا الجسم، بشكل دوري كل أربعة أشهر تقريبًا. خلال هذه العملية الطبيعية، يقوم الجسم بالتخلص من خلايا الدم الحمراء القديمة عن طريق الطحال وبعض الأنسجة اللمفاوية، ليحل محلها خلايا جديدة يتم إنتاجها في نخاع العظام، الذي يُعتبر بمثابة مصنع الدم في الجسم، ويتمركز في قلب العظام المحورية كعظام الظهر والصدر وغيرها.

يحتفظ الجسم بكمية من الدم الجديد تُقدر بحوالي 500 مل كاحتياطي استراتيجي، ويتم تخزين هذه الكمية بشكل أساسي في الطحال، وذلك لاستخدامها عند الحاجة، كما في حالات الفقد المفاجئ للدم كالنزيف الناتج عن الحوادث أو العمليات الجراحية أو غيرها.

وعندما يقوم الشخص بالتبرع بالدم، يُبادر الطحال على الفور بضخ هذا الاحتياطي لتعويض النقص الذي حدث في حجم الدم، ومن ثم يبدأ الجسم في تجديد هذا الاحتياطي من خلال إنتاج المزيد من خلايا الدم الجديدة في الأيام التالية للتبرع. هذه الآلية هي السر وراء التوصية بالتبرع بالدم بشكل دوري كل أربعة أشهر، حيث يُحفز التبرع الجسم على تجديد الدم باستمرار والحفاظ على حيويته وكفاءته.

2. تقليل احتمالات الإصابة بالعديد من السرطانات

كشفت نتائج دراسة علمية أُجريت منذ حوالي عقد من الزمان عن وجود علاقة عكسية بين التبرع المنتظم بالدم وانخفاض معدلات الإصابة ببعض الأمراض السرطانية الهامة، لا سيما سرطانات الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي، مثل سرطان الكبد والمريء والمعدة والقولون والرئة.

وقد فسّرت الدراسة هذه الظاهرة بأن التبرع الدوري بالدم يُساعد في الحفاظ على مستوى الحديد في الجسم ضمن المعدلات الطبيعية والصحية، ويمنع أي زيادة مُحتملة في نسبته قد تُؤدّي إلى تضرر أنسجة الجسم وزيادة قابليتها للتحوّل إلى خلايا سرطانية ونمو الأورام الخبيثة فيها. فبالمحافظة على توازن مستوى الحديد في الدم، يُساهم التبرع المنتظم في الوقاية من التضرّر الخلوي الذي يُعتبر من العوامل المُساهمة في تطور ونمو الخلايا السرطانية.

3. تقليل احتمالات حدوث جلطات القلب

كشفت الدراسات، ومنها دراسة تُشير إلى أن التبرع بالدم مرة واحدة على الأقل سنويًا يُساهم بشكلٍ كبير في تقليل احتمالات الإصابة بجلطات القلب والنوبات القلبية بنسبة تتجاوز 80%. تُعزى هذه النتيجة الهامة إلى عدة عوامل، من بينها دور الحديد في الجسم. فعند التبرع بالدم، يحفز الجسم عملية إنتاج خلايا دم جديدة لتعويض الفاقد، ممّا يُساعد على استهلاك الحديد الزائد في الجسم خلال هذه العملية، وبالتالي الحفاظ على مستويات الحديد في الدم والأنسجة ضمن المعدلات الطبيعية والمفيدة.

يُذكر أن دراسات سابقة قد ربطت بين ارتفاع مستويات الحديد في القلب والشرايين التاجية وتصلب الشرايين، وهو التصلب الذي يُؤدي إلى ضيق الشرايين وزيادة خطر تكوّن الجلطات الدموية داخلها. بالإضافة إلى ذلك، يُساهم التبرع الدوري بالدم في تحسين جودة مكونات الدم وزيادة نسبة الخلايا الشابة حديثة التصنيع، والتي تتميز بكفاءة أعلى في نقل الأكسجين، ممّا يُحسّن من التغذية الدموية للقلب ويُقلل، ولو بشكل طفيف، من فرص تعرضه للنوبات القلبية.

كما يُساعد التبرع الدوري في الحفاظ على مستوى الهيموجلوبين في الدم ضمن المعدل الطبيعي، حيث كشفت الدراسات عن وجود علاقة بين ارتفاع مستوى الهيموجلوبين وزيادة تأثير الكوليسترول الضار (LDL) على شرايين القلب، وهو الكوليسترول المسؤول عن حدوث تصلب الشرايين.

4. حالات مرضية علاجها التبرع بالدم

يُعدّ التبرع بالدم إجراءً طبيًا ذا فوائد جمة، حيث يُستخدم علاجيًا في بعض الحالات المرضية المُحددة. من بين هذه الحالات، نذكر بعض اختلالات الدم التي تتميز بزيادة غير طبيعية في كمية كرات الدم الحمراء، حيث يُعتبر التبرع بالدم بشكل مُنتظم علاجًا أساسيًا لهذه الحالات.

يختلف التبرع هنا عن التبرع الاعتيادي للأصحاء، إذ يتطلب فواصل زمنية أقصر بكثير من مدة الأربعة أشهر المُعتادة، وذلك للسيطرة على كمية كرات الدم الحمراء ومنع المضاعفات الخطيرة. فبدون التبرع المُستمر بالدم، يُصبح هؤلاء المرضى عُرضة لمُضاعفات وخيمة، مثل جلطات الدم الناتجة عن زيادة لزوجة الدم، والارتفاع الشديد في ضغط الدم، وارتفاع مستوى البوتاسيوم في الدم، الأمر الذي قد يُسبب اضطرابات كهربائية خطيرة في القلب تُهدد الحياة.

إضافةً إلى ذلك، يُعتبر التبرع بالدم ضروريًا في حالة مرضية أخرى خطيرة، وهي الزيادة المرضية في كمية الحديد في الدم. يُعدّ الحديد من المُكوّنات الحيوية للدم، إلا أنه في بعض الاختلالات الجينية، يزداد امتصاصه من الطعام بشكل كبير يفوق حاجة الجسم، ما يُؤدي إلى تَرسبه في الأعضاء الحيوية وإتلافها، ومن بين هذه الأعضاء، يُعدّ القلب والمفاصل والخصيتين والبنكرياس الأكثر عُرضة للتضرر نتيجة ترسب الحديد الزائد.

5. الحفاظ على سلامة الكبد

يُعتبر الكبد من الأعضاء الحيوية الهامة في جسم الإنسان، حيث يضطلع بوظائف متعددة وحيوية لصحة الجسم. فهو يعمل كمصنع لإنتاج مجموعة متنوعة من البروتينات الضرورية، من بينها الألبيومين الذي يلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على توازن السوائل في الدم ومنع حدوث التورمات.

كما يُنتج الكبد أيضًا عوامل مضادة للتجلط تساهم في منع حدوث النزيف. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر الكبد بمثابة المصفاة الرئيسية للجسم، حيث يعمل على تخليص الجسم من السموم والمواد الضارة. ومن هذا المنطلق، يكتسب التبرع الدوري بالدم أهمية بالغة في الحفاظ على صحة الكبد وسلامته، وذلك من خلال المساهمة في الحفاظ على مستويات الحديد في الدم ضمن المعدلات الطبيعية، كما تم توضيح ذلك بالتفصيل في النقاط السابقة، حيث أن ارتفاع مستويات الحديد قد يؤدي إلى مشاكل صحية في الكبد.

6. تقليل عوامل الأكسدة ومحفزات الالتهاب

عوامل الأكسدة هي مواد ضارة تنشأ نتيجةً لبعض التفاعلات الحيوية داخل خلايا وأنسجة الجسم، وقد أُجريت العديد من الأبحاث التي تناولت هذه المواد وتأثيرها المُحتمل في تحفيز ظهور بعض الأمراض الخطيرة، مثل أنواع مُعينة من السرطانات، والجلطات الدموية التي قد تُعيق تدفق الدم بشكل طبيعي، بالإضافة إلى فشل بعض الأجهزة الحيوية في الجسم عن أداء وظائفها بكفاءة.

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن مُعظم هذه الدراسات لم تصل إلى نتائج نهائية وقاطعة تُثبت بشكل جازم العلاقة المباشرة بين عوامل الأكسدة وتلك الأمراض. وعلى الرغم من ذلك، فقد أظهرت دراسة أُجريت في عام 2016 أن التبرع الدوري بالدم يُساهم بشكل فعّال في تقليل نسب هذه المواد الضارة في الدم وسائر أنحاء الجسم، مما يُشير إلى فائدة مُحتملة للتبرع بالدم في تعزيز الصحة العامة وتقليل المخاطر الصحية المُحتملة المُتعلّقة بعوامل الأكسدة.

7. فوائد نفسية هامة

عندما يقوم المرء بعمل نبيل يخدم به الآخرين، كأن يتبرع المرء بدمه، للمساهمة في إنقاذ قريب أو حتى غريب في حاجة ماسة، فهذا يؤدي إلى شعور كبير بالإنجاز، وتحسن الحالة المزاجية، والإحساس بالذات، ويقلل من الطاقة السلبية، ومن جلد الذات. ليس هذا كلامًا إنشائيًا، إنما تدعمه نتائج بعض الدراسات.

8. تحاليل حيوية مجانية

يمثل التبرع بالدم فرصة للاطمئنان الدوري بخصوص الإصابة ببعض الأمراض الخطيرة التي تنتقل بالدم مثل فيروسات الإيدز والفيروسات الكبدية بي وسي، ومرض الزهري .. الخ، حيث يتم إجراء هذه التحاليل إجباريًا على دماء كل متبرع في كل مرة تبرع. كذلك يقوم المشرفون على عملية التبرع إلزاميًا بالاطمئنان على ضغط دم المتبرع، ونبض القلب، ونسبة الهيموجلوبين بالدم، وكذلك الوزن (لا يسمح بالتبرع لشديدي النحافة) مما يسهم في الكشف المبكر عن ارتفاع الضغط والأنيميا .. إلخ.

9. مساهمة طفيفة في إنقاص الوزن

تؤدي كل مرة تبرع بالدم إلى فقد حوالي 650 كيلو سعر. وهذا يمثل حوالي ثلث الاحتياج اليومي المتوازن من السعرات للإنسان البالغ متوسط الوزن. بالطبع على المدى البعيد يبدو هذا مساهمة رمزية للغاية، وهي بالفعل كذلك. لكن عند تمكن ثقافة التبرع الدوري من الشخص، فإنها ستساعده في الحفاظ على الحمية الغذائية المتوازنة، إذ سيحرص دائمًا على البقاء بصحة جيدة، وتجنب الإصابة بالأنيميا، وذلك ليتمكن من التبرع في أي وقت.

ولن يتمكن الشخص من هذا إلا بالإكثار من الأطعمة المفيدة كالفواكه والخضروات والأسماك، والألبان قليلة الدسم، والبروتينات النباتية كالبقوليات، والبروتينات الحيوانية قليلة الدهون، وكل هذا سيساعد في حميته بشكل جيد.

10. فوائد عظمى بثمن قليل للغاية

إذا عُرضَ عليك أن تشارك في تجارة مكسبها مضاعف ومضمون، باحتمالية خسارة، ومشكلات أقل من 1%، هل تفوت مثل هذه الفرصة؟ كذلك هو التبرع بالدم. أما المخاطر، فتكاد تكون منعدمة طالما تم الالتزام بالقواعد الصحية السليمة من استخدام الإبر والمحاقن لمرة واحدة فقط، وتعقيم مكان الدخول الوريدي، وأن يتم الدخول بواسطة طبيب أو ممرض متمرس، وكل هذا يسهل توافره في أغلب المشافي.

لو لم يكن للتبرع بالدم، وانتشار ثقافته لدى معظم الجمهور من فائدة سوى أن يجد أي منا أكياس الدم متوافرة عندما يحتاجها في حالة طارئة – وهذا للأسف احتمال غير بعيد عن أي منا، وعن أحبابنا – لكان هذا يكفي. لكن بالفعل فوائد الأمر تتخطى هذا.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية