ما المقصود بـمحور الأرض؟

ما المقصود بـمحور الأرض؟ جميعنا على دراية بتعاقب الفصول وتبدّلها بين الخريف والشتاء والربيع والصيف، وقد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أن السبب وراء هذا التغيّر الموسمي يعود إلى قرب أو بعد الأرض عن الشمس، وهو افتراض قد يبدو منطقياً للبعض، إلا أنه في الواقع ليس السبب الرئيسي لحدوث الفصول على كوكبنا.

إن السبب الحقيقي وراء تعاقب الفصول على الأرض يكمن في ميل محور دوران الأرض بزاوية قدرها 23.5 درجة بالنسبة لمستوى دوران الأرض حول الشمس. ولتوضيح ذلك، فإن المحور هو عبارة عن خط وهمي يدور حوله جرم سماوي ما، وغالباً ما يُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى الخط الذي يدور حوله كل كوكب من كواكب المجموعة الشمسية.

أما محور الأرض تحديداً، فهو خط مستقيم وهمي يمتدّ من القطب الشمالي للكرة الأرضية وصولاً إلى القطب الجنوبي. في الماضي، كان الاعتقاد السائد هو أن هذا المحور عمودي تماماً على مستوى مدار الشمس، أي أنه يشكّل زاوية قائمة معه، إلا أن الدراسات والأبحاث اللاحقة كشفت عن حقيقة أن هذا المحور مائل بزاوية تبلغ 23.5 درجة، وهو ما يُعرف باسم “الميل المحوري للأرض”، وهذا الميل هو المسؤول بشكل مباشر عن اختلاف زاوية سقوط أشعة الشمس على مناطق مختلفة من الأرض خلال دورانها حول الشمس، وبالتالي حدوث الفصول الأربعة.

يُعدّ اكتشاف ميلان محور الأرض من الاكتشافات القديمة جدًا، وقد حفّز هذا الاكتشاف إجراء دراسات واسعة النطاق لتحديد زاوية ميلان هذا المحور، حيث بدأت هذه المحاولات في الصين والهند حوالي عام 1100 قبل الميلاد، وتلتها دراسات لعلماء إغريق بعد حوالي 750 عامًا، وقد اعتمدت هذه الدراسات على قياس أطوال الظلال خلال الانقلابين الصيفي والشتوي، حيث يتم تسجيل أطول وأقصر ظل للأجسام على التوالي.

أظهرت الدراسات أنه لو كان محور الأرض عموديًا، لما ظهر ظلٌّ لعمودٍ مثبتٍ تحت أشعة الشمس وقت الظهيرة؛ لكنْ، عند مراقبة هذا العمود، لوحظ ظهور الظل بأطوالٍ مختلفة، ما يُعدُّ دليلًا قاطعًا على وجود ميلانٍ في محور الأرض.

اعتقد الناس قديمًا بثبات محور دوران الأرض حول نفسها على زاوية ميل محورية ثابتة، إلى أن أثبت العالم هيبارخوس خطأ هذا الاعتقاد بمقارنة مشاهداته بمشاهدات سابقة، حيث لاحظ اختلاف موقع الشمس بالنسبة للنجوم في الاعتدالين الخريفي والربيعي عما كان عليه قبل 150 عامًا، وخلص إلى أن محور دوران الأرض يتحرك حركة جيروسكوبية متذبذبة تستغرق حوالي 26000 عامًا لإكمال دورة كاملة، حيث تتغير جهة محور الدوران باستمرار خلال هذه الدورة مع ثبات زاوية ميلانه، وأطلق على هذه الظاهرة اسم البدارية المحورية للأرض.

تنشأ الفصول الأربعة نتيجة لدوران الأرض حول الشمس مصحوبًا بحركة دورانية غير منتظمة حول محورها تُعرف باسم البدارية المحورية، ما ينتج عنه ميل القطب الشمالي نحو الشمس في فترة معينة من العام، ثم ميل القطب الجنوبي نحوها في فترة أخرى.

عندما يميل القطب الشمالي للأرض باتجاه الشمس، يحل فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي بينما يكون الشتاء في نصف الكرة الجنوبي، وبعد مرور بعض الوقت، يتغير الوضع فيميل القطب الجنوبي نحو الشمس ليصبح الصيف في نصف الكرة الجنوبي والشتاء في نصف الكرة الشمالي، وهذا التبادل ناتج عن دوران الأرض حول الشمس وميل محورها.

يتسبب ميل محور الأرض في حدوث الفصول الشمسية الأربعة، فعندما يميل محور الأرض بحيث يتجه القطب الشمالي نحو الشمس، يشهد نصف الكرة الشمالي فصل الصيف بينما يكون فصل الشتاء في نصف الكرة الجنوبي، وبعد مرور ستة أشهر تقريبًا، ينعكس اتجاه ميل محور الأرض، مما يؤدي إلى انقلاب الفصول فيصبح الصيف في نصف الكرة الجنوبي والشتاء في نصف الكرة الشمالي.

تؤثر الانقلابات الموسمية وحركة محور الأرض بشكل كبير على درجات حرارة كوكبنا، حيث يعكس فصل الصيف كمية أكبر من ضوء الشمس وحرارتها مقارنةً بالشتاء، مما يجعله يتميز بارتفاع درجات الحرارة وطول النهار وقصر الليل، بينما يتميز فصل الشتاء بانخفاض درجات الحرارة وقلة الإضاءة، وبالتالي طول الليل وقصر النهار.

في المناطق المُعتدِلة الشمالية، تتحرك الشمس من الشمال الشرقي الحقيقي إلى الغرب الحقيقي خلال الانقلاب الصيفي، بينما ينعكس هذا المسار في الانقلاب الشتوي؛ أما في المناطق المُعتدِلة الجنوبية، فتشرق الشمس من الجنوب الشرقي الحقيقي وتغرب في الجنوب الغربي الحقيقي.

يُطلق على فصلي الشتاء والصيف اسم “الانقلابين” لأن ميل محور الأرض يكون إما في أقصى قربه من الشمس أو في أقصى بعده عنها، بينما يُعرف فصلا الربيع والخريف باسم “الاعتدالين” لأن ميل محور الأرض يكون عموديًا على الشمس.

فترات الانقلاب والاعتدال في نصف الكرة الشمالي:

  • يحدث الانقلاب الشتوي بتاريخ 21 ديسمبر تقريبًا.
  • يحدث الاعتدال الربيعي في 20 مارس تقريبًا.
  • يحدث الانقلاب الصيفي بتاريخ 21 يونيو تقريبًا.
  • يحدث الاعتدال الخريفي في 22 سبتمبر تقريبًا.

وكما ذُكِر سابقًا يكون الوضع عكسي بالنسبة لنصف الكرة الجنوبي بالنسبة للانقلاب والاعتدال أيضًا أي في 21 ديسمبر يحدث الانقلاب الصيفي وفي 20 مارس يحدث الاعتدال الخريفي وهكذا.

يخضع محور الأرض لحركة طفيفة وغير منتظمة تُعرف بالتأرجح أو الإيماء، وتستغرق هذه الحركة أكثر من 18 عامًا لإتمام دورة كاملة. بالإضافة إلى ذلك، يشهد محور الأرض تقلبًا بسيطًا يؤدي بمرور الوقت إلى تغيير اتجاهه. تُعرف هذه العملية باسم “المبادرة” (precession)، وهي تُعزى إلى الاختلاف بين السنة الفلكية والسنة الاستوائية، كما أنها تُفسر التغير الطفيف في تاريخ بدء الفصول الشمسية على مدى حوالي 25800 عام.

يُرجح أنه بعد مرور هذه الفترة الزمنية الطويلة نسبيًا، ستنعكس تواريخ الانقلاب والاعتدال الموسمي في نصفي الكرة الأرضية، ليصبح صيف نصف الكرة الشمالي في شهر ديسمبر وشتاؤه في شهر يونيو، بينما يصبح صيف نصف الكرة الجنوبي في يونيو وشتاؤه في ديسمبر.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية