الممالك الارامية السورية

ما هي أهم الممالك الارامية السورية؟ لقد كانت منطقة بلاد الشام، وسوريا تحديدًا، على مر العصور مسرحًا لتعاقب حضارات عظيمة ومتجذرة في التاريخ، حيث ازدهرت حضارات عديدة قامت في أغلبها على أسس الحضارات التي سبقتها، وشيدت على ما تركه السابقون، ومن بين هذه الحضارات نذكر الممالك الآرامية السورية التي تُعتبر من الحضارات القديمة والعريقة في المنطقة، والتي للأسف لم يتبقَ منها الكثير مما يُمكننا من اكتشافها ودراستها بدقة أكبر وتفصيل أوسع.

فالمعرفة المتوفرة لدينا عنها تعتمد بشكل أساسي على ما ورد في الرسائل والمخطوطات الآشورية القديمة، بالإضافة إلى بعض النقوش الأثرية التي عُثر عليها في مملكة ماري القديمة، حيث تضمنت هذه المصادر ذكرًا لبعض الأحداث التاريخية الهامة التي ارتبطت بالممالك الآرامية التي قامت في سوريا.

كما أنها تُلقي الضوء على طبيعة العلاقات التي كانت تربط بين هذه الممالك الآرامية المختلفة، وكيف كانت هذه العلاقات تتأثر بشكل كبير بطبيعة الحياة البدوية التي ينحدر منها الآراميون أنفسهم، والتي انعكست على جوانب عديدة من حياتهم وثقافتهم وعلاقاتهم الاجتماعية والسياسية.

يُرجّح العديد من الباحثين في الدراسات التاريخية واللغوية أنّ أصول الآراميين، الذين أسّسوا ممالكَ آراميةً شهيرةً في منطقة الشرق الأدنى القديم، تعود إلى قبائلَ بدويةٍ متنقلةٍ كانت تجوب أرجاء الصحراء السورية الشاسعة، وتتحدث باللغة الآرامية، التي تُصنّف ضمن عائلة اللغات السامية الشمالية الغربية.

وقد شهدت الفترة الزمنية الممتدة بين القرن الحادي عشر والقرن الثامن قبل الميلاد حركةَ هجرةٍ واسعةٍ لهذه القبائل، حيث انطلقت من مواطنها الأصلية في الصحراء السورية نحو مناطقَ جغرافيةٍ أوسع، فاستوطنت أجزاءً واسعةً من بلاد ما بين النهرين الخصبة، وقامت بتأسيس ممالكَ مستقلةٍ عن بعضها البعض، بل وشهدت هذه الممالك في بعض الفترات صراعاتٍ وحروبًا فيما بينها على النفوذ والسيطرة.

وفي الوقت نفسه، اتجهت مجموعاتٌ أخرى من القبائل الآرامية نحو المناطق السورية، واستقرت في شمال سوريا، حيث أقامت أيضًا ممالكَ متعددةً لم تكن موحدةً تحت سلطة مركزية واحدة، بل كانت عبارةً عن دويلاتٍ مدنٍ مستقلةٍ نسبيًا، من بينها ممالكُ حلب ودمشق وحماه وغيرها من الكيانات السياسية الصغيرة.

وقد امتد النفوذ الآرامي نتيجةً لهذه الهجرات والتأسيسات ليشملَ منطقةً جغرافيةً واسعةً تمتد من مدينة بابل الشهيرة في الجنوب الشرقي وصولًا إلى الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط في الغرب، وقد لعبت قبائلُ كالدو الآرامية دورًا بارزًا في هذه التوسعات والنفوذ، حيث قادت بعضَ هذه التحركات وأسهمت في بسط السيطرة الآرامية على هذه المنطقة الحيوية من العالم القديم.

نشأت الممالك الآرامية في سوريا في ظروف تاريخية معينة، حيث يكتنف الغموض الأصل الجغرافي للآراميين وتاريخ هجرتهم إلى هذه المنطقة، إذ تعتمد المصادر التاريخية المتوفرة عنهم بشكل كبير على نصوص ورسائل آشورية، من بينها تلك التي تم اكتشافها في موقع تل العمارنة الأثري.

ومع ذلك، من المؤكد أن القبائل الآرامية قد استغلت فترة الضعف والانهيار التي بدأت تشهدها الدول القائمة في سوريا وبلاد ما بين النهرين في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد، فبدأت موجات من الهجرة والغزو بهدف السيطرة على الموارد والثروات المتاحة في هذه المناطق.

ونتيجة لذلك، تمكن الآراميون من فرض سيطرتهم على العديد من المدن والمستوطنات، بعضها كان مأهولًا بسكان حافظوا على التقاليد والثقافة الحثية، وشكلوا ممالك آرامية مستقلة تمامًا أصبحت مراكز قوى مؤثرة في تلك الحقبة الزمنية، من بينها مملكة آرام دمشق التي اكتسبت شهرة واسعة، بالإضافة إلى مملكتي بيت بخياني وبيت عديني اللتين كانتا لهما أيضًا مكانة مهمة.

ومع حلول القرن التاسع قبل الميلاد، امتد النفوذ السياسي للآراميين ليشمل كامل أراضي سوريا القديمة، ثم توسعت طموحاتهم لتشمل مناطق بابل وآشور، الأمر الذي استدعى تدخل الملك الآشوري تغلث فلاصر الأول الذي قاوم بشدة محاولاتهم للاستقرار والتوسع في هذه المناطق، سعيًا منه للحفاظ على النفوذ الآشوري ومنع قيام قوة آرامية منافسة.

مملكة آرام دمشق

شهدت مملكة آرام دمشق فترة ازدهار وقوة ونفوذ متزايدين بعد أن تمكنت من إبعاد الخطر الآشوري الذي كان يهدد العالم الآرامي في المنطقة الواقعة غرب نهر الفرات. ونتيجة لذلك، اكتسبت مملكة آرام دمشق مكانة مرموقة وهامة للغاية خلال النصف الثاني من القرن التاسع قبل الميلاد.

وقد تعزز هذا الوضع بشكل خاص عندما اعتلى حزائيل، الذي يحمل اسمًا يعني “إيل يرى”، عرش المملكة في الفترة ما بين 841 و 805 قبل الميلاد. وقد قام حزائيل بإنهاء حكم أسرة برهدد، ليصبح بذلك ملك آرام دمشق بلا منازع، وسيد الموقف في معظم أنحاء العالم الآرامي المترامية الأطراف.

وبفضل قيادته الحكيمة، تمكن من بسط نفوذه وسلطانه على مناطق واسعة شملت جنوب سوريا، وامتدت سيطرته من وادي نهر اليرموك في الشمال وصولًا إلى أرنون، وربما حتى وادي الموجب في الجنوب، كما امتد نفوذه ليشمل فلسطين، حيث وصل إلى بلدة جات الواقعة شرق عسقلان. ونتيجة لهذه التوسعات، امتدت رقعة مملكة آرام دمشق لتضم مناطق شاسعة من بلاد آرام في سوريا والمناطق المجاورة لها، لتشكل بذلك قوة إقليمية مهيمنة في تلك الحقبة التاريخية.

مملكة بدان آرام

كانت مملكة بدان آرام، التي تأسست في القرن السادس عشر قبل الميلاد، تُعتبر من بين الممالك الارامية الهامة التي ازدهرت في تلك الحقبة التاريخية، حيث اتخذت هذه المملكة من مدينة حران القديمة مركزًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا لها، لتصبح حران بذلك عاصمة لهذه المملكة الآرامية العريقة ومركزًا حيويًا في منطقة الشرق الأدنى القديم، وشهدت هذه المملكة تطورات وازدهارًا في مختلف جوانب الحياة خلال فترة وجودها.

مملكة آرام نهرين

تُعرف مملكة آرام نهرين أيضًا باسم مملكة آرام نهرايم، وهو اسمٌ يُشير بوضوحٍ إلى وقوعها بين نهري الفرات والخابور في منطقةٍ تُعرف تاريخيًا ببلاد ما بين النهرين، وتحديدًا في القسم الشمالي منها. يُرجّح المؤرخون وعلماء الآثار قيام هذه المملكة الآرامية خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد، حيث ازدهرت وبرزت كقوةٍ إقليميةٍ في تلك الحقبة الزمنية.

استمرّت مملكة آرام نهرين في الوجود لفترةٍ طويلةٍ نسبيًا، مُحافظةً على استقلالها وهويتها الثقافية حتى عام 717 قبل الميلاد، وهو العام الذي شهد نهاية هذه المملكة بسقوطها تحت سيطرة الإمبراطورية الآشورية الصاعدة آنذاك، لتُصبح جزءًا من نفوذها ومُمتلكاتها.

مملكة بيت عديني

كانت مملكة بيت عديني تُعتبر من بين أكبر الممالك الارامية التي ازدهرت في منطقة سوريا خلال القرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد، حيث اتخذت هذه المملكة من مدينة تل برسيب، التي يُعرف موقعها حاليًا باسم تل الأحمر، عاصمةً مزدهرةً لها، وامتد نفوذ وسلطان هذه المملكة على مساحة جغرافية واسعة شملت المنطقة الواقعة بين نهر البليخ شرقًا ونهر الفرات غربًا، مُشكلةً بذلك قوة إقليمية هامة في تلك الحقبة التاريخية.

مملكة بين زماني

هذه المملكة، التي يعود تاريخ تأسيسها إلى القرن العاشر قبل الميلاد، اتخذت من مدينة عرفت آنذاك باسم آمد، والتي تُعرف اليوم باسم ديار بكر، عاصمة لها. وقد اشتهر سكان هذه المملكة ببراعتهم في استخراج النحاس من المناجم المنتشرة في أراضيها، مما ساهم في ازدهارها الاقتصادي وتطورها الحضاري. استمرت هذه المملكة شامخةً وقائمةً حتى حلول عام 800 قبل الميلاد، حين تعرضت لغزو واحتلال من قبل الملك الآشوري آشور ناصر بعل، الذي وضع نهاية لحكمها المستقل وضمها إلى مملكته الآشورية.

مملكة الأنباط

كانت مملكة الأنباط، التي تُعتبر من الممالك الارامية البارزة والقوية في المنطقة، قد بزغت في القرن الرابع قبل الميلاد، حيث اتخذت من مدينة البتراء الأثرية عاصمةً مُحصّنةً لها، وقد أكسبها هذا الموقع الاستراتيجي المتميز، الذي يتوسط كلاً من البحر الأحمر والبحر الميت، أهميةً جيوسياسية واقتصادية بالغة، ممّا ساهم في ازدهارها وتوسع نفوذها بشكل ملحوظ حتى امتد ليشمل مناطق واسعة شمالاً وصولاً إلى مدينة دمشق الشامية.

إلا أن هذه المملكة، على الرغم من قوتها ومكانتها، لم تستطع الصمود أمام التطلعات الإمبراطورية الرومانية الطامعة في السيطرة والنفوذ، حيث كانت أطماع الرومان، بقيادة الإمبراطور تراجان، حاسمةً في إنهاء تاريخ هذه المملكة وتدميرها بشكل كامل في عام 105 ميلادي، لتُطوى صفحة من صفحات التاريخ القديم.


اكتشاف المزيد من عالم المعلومات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

ما رأيك بهذه المقالة؟ كن أول من يعلق

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك على موقعنا. تساعدنا هذه الملفات على تذكر إعداداتك وتقديم محتوى مخصص لك. يمكنك التحكم في ملفات تعريف الارتباط من خلال إعدادات المتصفح. لمزيد من المعلومات، يرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية لدينا.
قبول
سياسة الخصوصية