يثير تساؤلٌ شائعٌ فضولَ الكثيرين حول أسباب تجنّب الطائرات التحليقَ مباشرةً فوق المحيط الهادئ، حيث يتبادر إلى أذهان البعض اعتقادٌ خاطئٌ بأنّ ذلك يعود إلى دوافع أمنية بحتة، إلا أنّ الحقيقة تخالف هذه الفكرة الشائعة.
فالأمر لا يتعلّق بشكل أساسي بالجوانب الأمنية بالمعنى المتبادر للذهن، بل إنّ معظم شركات الطيران تتجنّب عمدًا اختيار مسارات جوية تعبر المحيط الهادئ بشكل مباشر، مفضّلةً عوضًا عن ذلك سلوكَ طرقٍ أكثر التفافًا وانحناءً، والتي غالبًا ما تمتدّ فوق مناطقَ بريةٍ شاسعة، وهو ما قد يُوحي للوهلة الأولى بأنّه إجراءٌ غير فعّالٍ أو مُجدٍ، إذ يُفترض منطقيًا أنّ أقصر مسافةٍ بين نقطتين هي الخط المستقيم، إلا أنّ هذه النظرة السطحية تتجاهل جملةً من العوامل المهمة التي تجعل من المسارات المنحنية خيارًا عمليًا أكثر من المسارات المستقيمة فوق المحيط الهادئ.
حيث أن اختيار مسارات الطيران فوق المحيط الهادئ لا يعتمد فقط على قصر المسافة، بل يشمل اعتبارات أخرى أكثر تعقيدًا تتعلق بالسلامة والكفاءة الاقتصادية والظروف الجوية، مما يجعل المسارات المنحنية أكثر جاذبية لشركات الطيران مقارنة بالمسارات المستقيمة فوق هذه المساحة الشاسعة من المياه.
أسباب عدم تحليق الطائرات فوق المحيط الهادئ
على الرغم من التطور الهائل في صناعة الطيران، لا يزال المحيط الهادئ يمثل تحديًا لشركات الطيران، حيث تفضل الطائرات اتباع مسارات منحنية بدلًا من التحليق المباشر فوقه. يعود ذلك لعدة أسباب جوهرية تتعلق بالسلامة والكفاءة والاقتصاد.
أولًا
نظرًا لكروية الأرض، فإن المسارات المنحنية (المعروفة باسم “الدوائر الكبرى”) تُعد أقصر من المسارات المستقيمة على الخرائط ثنائية الأبعاد. هذا يعني أن الطائرات التي تتبع مسارات منحنية تستهلك وقودًا أقل وتصل إلى وجهتها في وقت أقصر، ما يُحسّن الكفاءة التشغيلية ويقلل التكاليف لشركات الطيران. على سبيل المثال، عند السفر بين الولايات المتحدة وآسيا، تفضل شركات الطيران استخدام مسارات منحنية فوق كندا وألاسكا، ما يوفر الوقت والوقود ويعزز الأرباح.
ثانيًا
يُعتبر التحليق فوق المحيط الهادئ أكثر خطورة في حالة الطوارئ. ففي حال حدوث أي مشكلة تقنية في الطائرة، يصبح العثور على مكان هبوط اضطراري آمن أمرًا بالغ الصعوبة نظرًا لاتساع المحيط وقلة الجزر والمطارات. لذلك، يفضل الطيارون اتباع مسارات تتضمن عددًا أكبر من المطارات كإجراء احترازي. هذا يتوافق مع تعليمات الطيران المعروفة باسم (ETOPS – عمليات الطيران الممتدة)، التي تنص على ضرورة وجود مطار بديل على مسافة لا تزيد عن ثلاث ساعات طيران في معظم الحالات. هذه التعليمات تضمن إمكانية هبوط الطائرة في مكان آمن في حالة الطوارئ، ما يزيد من فرص إنقاذ الأرواح.
ثالثًا
على الرغم من وجود اتصالات جوية بين معظم دول العالم، لا تزال هناك مناطق محظورة للطيران لأسباب مختلفة، من بينها ضمان سلامة الركاب. وحتى مع قدرة بعض الطائرات على السفر لمسافات طويلة دون التزود بالوقود، يظل وجود مطار قريب عاملًا حاسمًا في تعزيز السلامة.
رابعًا
على الرغم من أن بعض الوجهات مثل جزر هاواي وفيجي وتونغا وساموا وفانواتو تتطلب عبور المحيط الهادئ، فإن حركة المرور الجوية فوق هذه المنطقة لا تزال منخفضة نسبيًا. هذا لا يعني منع الطيران فوق المحيط الهادئ بشكل قاطع، بل يُشير إلى أن المسارات البديلة تُعتبر أكثر كفاءة وأمانًا في معظم الحالات.
أخيرًا
يُضاف إلى ما سبق أن بعض المناطق، مثل جبال الهيمالايا، تُعتبر أيضًا محظورة للطيران بسبب ارتفاعها الشاهق وعدم وجود مواقع هبوط اضطراري. فالتحليق على ارتفاعات منخفضة فوق هذه الجبال يُعرّض الركاب لخطر نقص الأكسجين، ما يزيد من احتمالية وقوع الحوادث.
باختصار، على الرغم من أن الطائرات الحديثة تتمتع بمستويات عالية من السلامة والتكنولوجيا المتقدمة، فإن تجنب التحليق المباشر فوق المحيط الهادئ يُعتبر إجراءً احترازيًا يهدف إلى تعزيز السلامة وتقليل المخاطر وتحسين الكفاءة التشغيلية لشركات الطيران.
وفي النهاية على الرغم من أن السلامة تُعدُّ من الاعتبارات الهامة للمسافرين وشركات الطيران على حد سواء، إلا أن الدافع الرئيسي وراء هذا التجنب يكمن في الكفاءة الاقتصادية وتقليل التكاليف التشغيلية. فشركات الطيران، بوصفها مؤسسات تجارية، تسعى جاهدة لتعظيم أرباحها وتقليل نفقاتها، ويتحقق ذلك بشكل كبير من خلال تقليل المسافة التي تقطعها الطائرات قدر الإمكان.
يُعتبر سلوك مسارات منحنِية بالقرب من القطبين أقصر بكثير من المسارات المستقيمة عبر المحيط الهادئ الشاسع، ممّا يُساهم في تحقيق رحلات أسرع وأكثر كفاءة في استهلاك الوقود. هذا التوفير في الوقود والوقت يُترجم إلى أرباح أعلى للشركات وتكاليف أقل للركاب، ما يجعل اختيار المسارات المنحنية استراتيجية مُثلى في صناعة الطيران عند عبور مناطق مثل المحيط الهادئ.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.