تعتبر سورة عبس من السور المكية التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في فترة حرجة من الدعوة الإسلامية. تحمل هذه السورة بين آياتها قصة مؤثرة تلقي الضوء على جانب إنساني رفيع في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، وتؤكد على قيم عظيمة في الإسلام كتقدير الضعفاء والاهتمام بالهداية. في هذا المقال، سنتناول سبب نزول سورة عبس بتفصيل، بالإضافة إلى معلومات أخرى مهمة تتعلق بالسورة.
القصة وراء نزول سورة عبس
يرتبط سبب نزول سورة عبس بحادثة وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم والصحابي الجليل عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه، وهو رجل أعمى. بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم منشغلًا بدعوة مجموعة من صناديد قريش وكبارهم إلى الإسلام وتوحيد الله تعالى، أقبل ابن أم مكتوم رضي الله عنه يطلب من النبي أن يعلمه مما علمه الله.
ظل ابن أم مكتوم يكرر طلبه بإلحاح، مما أثار في نفس النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من الضيق والانشغال. خشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يظن هؤلاء الكبراء أن أتباعه هم من الضعفاء والعبيد والعميان، فعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه، مستمرًا في حديثه مع القوم الذين كان يرجو إسلامهم.
إلا أن الله تعالى لم يترك هذا الموقف يمر دون تنبيه، فأنزل آيات سورة عبس لتعاتب النبي صلى الله عليه وسلم بلطف على هذا التصرف. فندم النبي صلى الله عليه وسلم أشد الندم على ما بدر منه، وأقبل على ابن أم مكتوم يكرمه ويجله. وكان إذا رآه يقول له: “مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي”.
وقد وردت روايات أخرى تذكر أن ابن أم مكتوم جاء ليستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن الكريم، وأن الرجال الذين كانوا عنده هم عتبة بن ربيعة وأبو جهل والعباس بن عبد المطلب وأبو بن خلف وشيبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على هدايتهم.
أسباب نزول آيات أخرى في السورة
إلى جانب القصة الرئيسية التي كانت سبب نزول سورة عبس، وردت أسباب لنزول بعض آياتها الأخرى:
- سبب نزول آية: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}: ذكرت السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يُبعثُ النَّاسُ يومَ القيامةِ ، حفاةً عراةً غرلًا . فقالت عائشةُ : فَكيفَ بالعوْراتِ؟ قالَ : لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ”. وهذا الحديث يبين أن هذه الآية نزلت لتوضيح هول يوم القيامة وانشغال كل امرئ بنفسه عن غيره.
- سبب نزول آية: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}: ورد في كتاب لباب النقول لأسباب النزول أن هذه الآية نزلت في رجل يدعى عتبة بن أبي لهب، حيث قال يومًا: كفرت برب النجوم، فأنزل الله تعالى هذه الآية استنكارًا لكفره وجحوده.
مكان نزول سورة عبس وترتيبها
اتفق أهل العلم والتفسير على أن سورة عبس هي سورة مكية، أي نزلت في مكة المكرمة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة. وتعتبر السورة الرابعة والعشرين في ترتيب نزول السور، حيث نزلت بعد سورة النجم وقبل سورة القدر.
لماذا سميت سورة عبس بهذا الاسم؟
يعود سبب تسمية سورة عبس بهذا الاسم إلى القصة التي تناولتها في بدايتها، وهي حادثة عبوس النبي صلى الله عليه وسلم في وجه ابن أم مكتوم رضي الله عنه. وقد وردت أسماء أخرى للسورة مثل: سورة ابن أم مكتوم، والصاخة، والسفرة، والأعمى، إلا أن اسم “عبس” هو الأشهر والأكثر تداولًا.
فضل سورة عبس
على الرغم من أنه لم يرد حديث نبوي صحيح ومخصص يُبين فضل سورة عبس بشكل منفرد ومحدد، إلا أن هذه السورة تشارك باقي سور القرآن الكريم في الفضل العام لتلاوة كتاب الله وقراءته. فكل حرف يُتلى من سورة عبس أو غيرها من سور القرآن يحمل في طياته حسنة، وهذه الحسنة يضاعفها الله عز وجل إلى عشرة أمثالها، وهو فضل عظيم ينبغي على كل مسلم الحرص عليه.
كما جاء في فضل سورة عبس ذِكر عمر بن الخطاب لها في معرض تساؤله عن معنى كلمةٍ في السورة: “قرأ عمرُ بنُ الخطَّابِ “عَبَسَ وَتَوَلَّى” فلمَّا أتى على هذهِ الآيةَ “وَفَاكِهَةً وَأَبًّا” قال: عرَفنا ما الفاكِهَةُ، فما الأَبُّ؟ فقال: لعَمرُك يا ابنَ الخطَّابِ إنَّ هذا لهوَ التَّكَلُّفُ”. هذه القصة وإن لم تكن نصًا صريحًا في فضل سورة عبس، إلا أنها تُظهر اهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بفهم آياتها ومعانيها.
أما بالنسبة لما يُشاع ويتناقل بين الناس عن فضل سورة عبس الخاص في فك السحر وطرد المس، فإنه لا يوجد دليل شرعي أو أصل صحيح يدعم هذه الادعاءات. إن الاعتقاد بأن لسورة معينة في القرآن فضلًا خاصًا في هذه الأمور دون دليل من الكتاب والسنة يحتاج إلى تثبت وتدقيق. فالقرآن الكريم كله شفاء وهدى، ولكن تخصيص سور معينة بفضائل لم ترد فيها نصوص صحيحة يعتبر من الأمور التي تحتاج إلى دليل شرعي قوي.
ختامًا
تبقى سورة عبس شاهدًا على عظمة الشريعة الإسلامية ورفعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم. تعلمنا هذه السورة دروسًا قيمة في تقدير الناس جميعًا، والاهتمام بالضعفاء، والتواضع، وأهمية الانشغال بالهداية والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. كما تؤكد على أن العتاب الرباني ما هو إلا دليل على محبة الله لنبيه وحرصه على كماله البشري.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.