تتربع الجمهورية التشيكية في قلب القارة الأوروبية كدولة غير ساحلية آسرة، تجمع بين جمال الطبيعة الخلابة وتاريخ غني يمتد لقرون. غالبًا ما يتبادر إلى الأذهان السؤال: أين تقع التشيك؟ وما هي تفاصيل حدودها السياسية والجغرافية التي شكلت هويتها المميزة؟
هذا المقال يأخذك في رحلة استكشافية للإجابة على هذه التساؤلات، مع تسليط الضوء على موقعها الاستراتيجي، تاريخها العريق، وحدودها المتنوعة التي تربطها بجيرانها في قلب أوروبا.
أين تقع التشيك؟
تتمتع جمهورية التشيك بموقع جغرافي فريد في وسط القارة الأوروبية، مما يجعلها نقطة التقاء مهمة بين دول أوروبا الشرقية والغربية. وبصفتها دولة غير ساحلية، فإن جميع حدودها برية مشتركة مع الدول المجاورة. يحدها من الجنوب النمسا، ومن الشمال الشرقي بولندا، ومن الجنوب الشرقي سلوفاكيا، ومن الغرب ألمانيا.
هذا الموقع المركزي أكسب التشيك أهمية استراتيجية عبر التاريخ، حيث تقع على مفترق طرق برية قديمة لعبت دورًا حيويًا في التجارة والتبادل الثقافي في أوروبا.
تغطي التشيك مساحة تقدر بحوالي 78,867 كيلومترًا مربعًا، مما يجعلها أصغر من جارتها الجنوبية النمسا. وبسبب هذا الموقع الجغرافي، يتميز مناخ التشيك بأنه معتدل وقاري ومحيطي في الغالب، حيث يكون الصيف دافئًا والشتاء باردًا وغائمًا ومثلجًا.
يؤدي هذا الموقع أيضًا إلى تباين ملحوظ في درجات الحرارة بين فصلي الصيف والشتاء. وتجدر الإشارة إلى أن درجة الحرارة تتأثر بالارتفاع، فكلما زاد الارتفاع عن سطح البحر، انخفضت درجات الحرارة وزاد معدل هطول الأمطار.
لمحة عن تاريخ التشيك
قبل أن تصبح الجمهورية التشيكية دولة مستقلة في عام 1993، مرت المنطقة بتاريخ طويل ومعقد تحت سيطرة ممالك وإمبراطوريات مختلفة، بما في ذلك بوهيميا ومورافيا وسلوفاكيا. ظهرت دوقية بوهيميا في أواخر القرن التاسع الميلادي تحت سيطرة إمبراطورية مورافيا العظمى، ثم تم الاعتراف بها رسميًا ككيان تابع للإمبراطورية الرومانية المقدسة لتصبح مملكة بوهيميا في عام 1198م.
شهدت المنطقة حروبًا كبيرة في القرن الخامس عشر بسبب الإصلاح البوهيمي، والتي أسفرت في النهاية عن فترة من التسامح الديني والتعددية الطائفية. بعد قرون من الحكم الأجنبي والاتحادات المختلفة، بزغت الجمهورية التشيكية المستقلة إلى الوجود في عام 1993، وذلك بحل الاتحاد التشيكوسلوفاكي سلميًا.
عند الانفصال، تم تقسيم أصول الاتحاد بنسبة اثنين لواحد لصالح التشيك، وشمل ذلك اتفاقيات تخص الغاز الطبيعي وخطوط الأنابيب والقوات المسلحة والسلك الدبلوماسي. تم تقسيم مواطني الاتحاد السابق على أساس قوانين الجنسية الجديدة فورًا بعد التقسيم، وشهدت التشيك طلبات متزايدة للحصول على الجنسية من قبل السلوفاك.
تم انتخاب فاكلاف هافيل، الذي كان أول رئيس لتشيكوسلوفاكيا بعد الإطاحة بالنظام الشيوعي، كأول رئيس لجمهورية التشيك في عام 1993، بينما شغل فاكلاف كلاوس منصب رئيس الوزراء.
تم انتخاب مجلس للنواب، وعلى الرغم من أن انفصال التشيك عن سلوفاكيا كان وديًا وسلميًا، إلا أنه أطلق عليه اسم “الطلاق المخملي” كإشارة إلى الثورة المخملية التي قامت عام 1989. أقيمت نقاط حدودية على الحدود التشيكية السلوفاكية، وشهدت العلاقات توترًا طفيفًا لفترة وجيزة على جانبي الحدود الجديدة.
الحدود السياسية والجغرافية للتشيك
كما ذكرنا سابقًا، فإن الجمهورية التشيكية هي دولة أوروبية غير ساحلية ذات موقع استراتيجي في قلب أوروبا الشرقية. تشترك التشيك في حدود سياسية مع أربع دول:
- بولندا: تحدها من جهة الشمال الشرقي.
- سلوفاكيا: تحدها من جهة الجنوب الشرقي.
- النمسا: تحدها من جهة الجنوب.
- ألمانيا: تحدها من جهة الغرب.
يبلغ الطول الإجمالي لحدود الجمهورية التشيكية حوالي 1881 كيلومترًا. تقع العاصمة براغ في الجزء الشمالي من البلاد.
أما بالنسبة للتضاريس والحدود الجغرافية، فيمكن تقسيم التشيك إلى قسمين رئيسيين:
- بوهيميا (Bohemia) في الغرب: تتميز بتضاريس متنوعة تشمل سهولًا وتلالًا وهضابًا محاطة بسلسلة من الجبال المنخفضة. من أهم السلاسل الجبلية التي تحيط ببوهيميا جبال خام (Krušné hory) وجبال سومارفا (Šumava) في الجنوب الغربي، وجبال السوديتيك (Sudetes) في الشمال. يجري في منطقة بوهيميا نهرا إلبه (Elbe) و فلتافا (Vltava)، وهما من الأنهار الهامة في أوروبا.
- مورافيا (Moravia) في الشرق: تتميز بأنها منطقة تلال أكثر وعورة من بوهيميا. يقع جبل سينزكا (Sněžka)، وهو أعلى قمة في البلاد بارتفاع 1602 مترًا، في جبال كركونوشي (Krkonoše) على الحدود الشمالية والوسطى للتشيك مع بولندا. يجري في منطقة مورافيا نهرا مورافا (Morava) و أودر (Oder)، وهما أيضًا من الأنهار الأوروبية الهامة التي تتدفق شمالًا إلى بحر البلطيق.
بشكل عام، يمكن وصف تضاريس التشيك بأنها هضبة جبلية تحيط بها الجبال، وهي منخفضة نسبيًا مقارنة ببعض الدول الأوروبية الأخرى. تشمل هذه الجبال تلك المتاخمة لجبال الكاربات في الشرق.
السياسة في دولة التشيك
تعتمد الجمهورية التشيكية نظامًا سياسيًا برلمانيًا وحدويًا، وهي جمهورية دستورية. يوجد في البلاد رئيس للدولة يتم انتخابه عن طريق التصويت المباشر لمدة خمس سنوات. يتمتع الرئيس بدور رسمي ولكنه بسلطات محدودة ومحددة في الدستور، مثل تعيين الوزراء وأعضاء الحكومة، والدعوة لعقد جلسات مجلس النواب، وحل مجلس النواب بشروط محددة في الدستور.
كما أن رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويقوم بتعيين القضاة والدعوة لانتخابات مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وإصدار العفو أو تخفيف العقوبات، واستقبال رؤساء البعثات الدبلوماسية.
يُعتبر رئيس الحكومة (رئيس الوزراء) رئيس مجلس الوزراء ويتمتع بصلاحيات وسلطات واسعة في الدولة. له الحق في وضع السياسات الداخلية والخارجية للبلاد، وتعبئة أغلبية المقاعد في البرلمان، واختيار وزراء الحكومة. تُعد الحكومة في التشيك هي السلطة التنفيذية التي تقدم تقارير أعمالها إلى مجلس النواب (الغرفة السفلى للبرلمان).
تتكون الحكومة من مجلس الوزراء الذي يتخذ قرارات الهيئة التنفيذية، ويضم الوزراء ورئيس الوزراء، ويختص بنشر المراسيم الحكومية. يُعين رئيس الوزراء من قبل رئيس الجمهورية، وبعد تعيين الوزراء، يتم عرضهم على مجلس النواب للتصويت على منحهم الثقة.
أما السلطة التشريعية في البلاد فتتكون من مجلس الشيوخ (الغرفة العليا للبرلمان) الذي يضم 81 عضوًا يتم انتخابهم عن طريق جولة إعادة التصويت لمدة ست سنوات، ويتم تجديد ثلث الأعضاء في كل خريف.
و مجلس النواب الذي يضم 200 عضوًا يتم انتخابهم لمدة أربع سنوات. يشكل المجلسان معًا برلمان الجمهورية التشيكية. يعتمد النظام السياسي في التشيك على نظام تعدد الأحزاب.
منذ عام 1993، كان الحزبان الرئيسيان هما الحزب الديمقراطي الاجتماعي والحزب الديمقراطي المدني، ولكن في أواخر عام 2014، ظهرت أحزاب سياسية جديدة تنافس الحزبين الأساسيين.
الاقتصاد في دولة التشيك
شهد اقتصاد التشيك انتعاشًا ملحوظًا بعد الحقبة الشيوعية، وذلك من خلال تطوير القطاع الخاص في مجالات الخدمات والتجارة، وزيادة الصادرات إلى الدول الصناعية المتقدمة، والسيطرة على التضخم، وتحقيق توازن تجاري إيجابي. تُعد صناعات التكنولوجيا المتقدمة والتكنولوجيا الحيوية وحماية البيئة من أكثر القطاعات نموًا في التشيك.
بحلول عام 2002، لم يعد القطاع غير الخاص يمثل سوى حوالي 20% من اقتصاد الأعمال. ومع ذلك، احتفظت الدولة بحصص قليلة في بعض شركات الصناعات الثقيلة، ووضعت العديد من الشركات الكبيرة تحت سيطرة البنوك المملوكة للدولة.
ساهم الاتحاد الأوروبي بشكل كبير في دعم انضمام البلاد إليه من خلال توفير الموارد لإصلاح النظام الإداري والقضائي. واجهت الحكومة في بداية التحول الاقتصادي نسبة عالية من البطالة وكانت بحاجة إلى إعادة هيكلة المنظومة الصناعية وإصلاح الأنظمة الصحية وأنظمة التقاعد.
بحلول عام 2004، وهو عام انضمام التشيك إلى الاتحاد الأوروبي، بلغ معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي حوالي 4%، وكان هذا النمو مدفوعًا بتدفق رأس المال الأجنبي والزيادة في طلب المستهلكين.
أدت ارتفاع معدلات الاستثمار إلى توسع الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة وزيادة حقيقية في الأجور، كما تعززت العملة الوطنية بسبب انخفاض التضخم، مما جعل اقتصاد التشيك قادرًا على المنافسة بشكل متزايد مع اقتصادات أوروبا الغربية.
الموارد الطبيعية لدولة التشيك
تتمتع جمهورية التشيك بمجموعة متنوعة من الموارد الطبيعية التي تلعب دورًا هامًا في اقتصادها. من أهم هذه الموارد:
- الفحم اللين (Lignite) والفحم الصلب (Hard Coal): يعتبر الفحم من أهم مصادر الطاقة في التشيك، وقد ازداد إنتاجه منذ منتصف القرن العشرين. تقع مناطق تعدين الفحم البني الرئيسية في أقصى غرب البلاد، ويستخدم في توليد الطاقة الحرارية في المحطات الخاصة به وكوقود للمنازل وكمادة خام في الصناعات الكيميائية. يتم إنتاج كميات قليلة من الغاز الطبيعي والنفط بالقرب من هودونين على الحدود السلوفاكية.
- الطين والكاولين والجرافيت: تستخدم هذه المعادن في صناعات السيراميك والخزف والمواد الحرارية.
- الأخشاب: تغطي الغابات جزءًا كبيرًا من مساحة البلاد وتوفر الأخشاب لصناعة الأثاث والبناء والورق.
- الأراضي الصالحة للزراعة: تعتبر الأراضي الزراعية موردًا هامًا لإنتاج الغذاء.
- خامات المعادن: توجد في جمهورية التشيك العديد من خامات المعادن مثل الزنك والرصاص والقصدير التي يتم استخراجها من شمال شرق البلاد. كما تم استخراج اليورانيوم بالقرب من وسط بوهيميا جنوب العاصمة براغ.
ختاما
تقع الجمهورية التشيكية في قلب أوروبا الوسطى، محاطة بألمانيا والنمسا وبولندا وسلوفاكيا. يتميز موقعها الاستراتيجي بأهمية تاريخية وجغرافية، حيث تقع على مفترق طرق برية رئيسية. تنوع تضاريسها بين سهول بوهيميا وتلال مورافيا، بالإضافة إلى حدودها البرية الممتدة، يمنحها هوية أوروبية مميزة.
من تاريخها العريق الذي شهد ممالك واتحادات مختلفة وصولًا إلى استقلالها الحديث، تظل التشيك جوهرة أوروبية تجمع بين الماضي والحاضر بموقعها الفريد وحدودها المتنوعة.
اكتشاف المزيد من عالم المعلومات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.