بعث الله تعالى الأنبياء والرسل لهداية البشرية ودعوتها إلى الإيمان به وحده وترك عبادة ما سواه، وأيَّدهم بالمعجزات والآيات. بدأت سلسلة النبوة والرسالة بآدم عليه السلام، أول الأنبياء، واختُتمت بمحمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء والمرسلين. بينهما أنبياء كثر، ذُكر منهم في القرآن الكريم خمسة وعشرون نبيًا ورسولًا.
كما ورد في السنة النبوية ذكر أنبياء آخرين، بالإضافة إلى يوشع بن نون الذي أشارت بعض الروايات إلى نبوته، والخضر الذي اختلف العلماء في نبوته بين قائل بنبوته وقائل بولايته. وهناك أنبياء لم يُذكروا لنا ولم نعرفهم، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾، وسيأتي بيان لترتيب شجرة الأنبياء وتسلسل بعثتهم.
ترتيب الأنبياء والرسل وتسلسل بعثتهم
كلما ابتعد البشر عن طريق الحق، أرسل الله تعالى لهم نبيًا لهدايتهم وتقويم اعوجاجهم ودعوتهم إلى عبادة الله وحده، فكان آدم عليه السلام أول الأنبياء، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتمهم، وفيما يلي ترتيب شجرة الأنبياء من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
أول الأنبياء: آدم عليه السلام
خلق الله تعالى آدم عليه السلام من طين ونفخ فيه الروح، ثم أسكنه وزوجته حواء الجنة، ونهاهما عن الاقتراب من شجرة معينة. لكن إبليس، الذي توعد بإغواء آدم وذريته، وسوس لهما حتى أكلا من الشجرة، فأنزلهما الله تعالى إلى الأرض بعد أن استغفرا وتابا. بذلك بدأت حياة البشرية على الأرض وصراع الخير والشر. وبعد حياة آدم على الأرض وإنجابه ذريته، توفاه الله، ثم أرسل من بعده أنبياء ورسلا، وقد ذكر ابن كثير أن الله بعث بعد آدم ابنه شيث، لكن الحديث الوارد في ذلك ضعيف.
إدريس عليه السلام
ورد ذكر نبي الله إدريس عليه السلام في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾، ويذكر العلماء أنه بُعِثَ في الفترة بين آدم ونوح عليهما السلام.
نوح عليه السلام
نوح عليه السلام هو أحد أولي العزم من الرسل، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية. وقد اتفق على أنه جاء بعد إدريس عليه السلام، مع وجود رأي آخر لبعض العلماء يرى بأن نوحًا كان قبل إدريس. ومما هو متفق عليه أن من ذرية نوح عليه السلام جاء العديد من الأنبياء.
هود عليه السلام
ذُكر نبي الله هودٌ في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد نصّ القرآن الكريم على أنّ قوم عادٍ، وهم قوم هودٍ عليه السلام، كانوا من بعد قوم نوحٍ عليه السلام، كما يتضح ذلك في قول الله تعالى على لسان هودٍ مخاطباً قومه: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، حيث يشير هذا النصّ القرآني بوضوح إلى أنّ عاداً خلَفوا قوم نوحٍ في الأرض.
صالح عليه السلام
بعث الله تعالى نبيه صالح -عليه السلام- إلى قوم ثمود لدعوتهم إلى توحيد الله، وقد جاء قوم ثمود من بعد قوم عاد، قوم هود، وهذا ما يُستدل عليه من قول الله تعالى على لسان صالح: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).
إبراهيم ولوط عليهما السلام
بعث الله تعالى النبي إبراهيم عليه السلام، وكان النبي لوط عليه السلام معاصرًا له في نفس الفترة، كما هو مذكور في القرآن الكريم. ويتضح ذلك من الحوار الذي دار بين إبراهيم عليه السلام والملائكة، كما جاء في قوله تعالى: (فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ)، حيث يظهر من الآية أن الملائكة أُرسلت إلى قوم لوط في الوقت الذي كان إبراهيم عليه السلام موجودًا فيه.
شعيب عليه السلام
يذكر العلماء ومنهم ابن كثير أنّ شعيبًا -عليه السلام- بُعث إلى قوم مدين، بعد زمن لوط بوقت قريب.
إسماعيل وإسحاق عليهما السلام
بعد إبراهيم عليه السلام، حصر الله النبوة في ذريتي ولديه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، فجعل في نسل كل منهما أنبياء. فكان من ذرية إسماعيل أنبياء العرب، وعلى رأسهم خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. بينما اختصت ذرية إسحاق بالنبوة في بني إسرائيل، ومن أبرز أنبيائهم يعقوب عليه السلام.
يعقوب عليه السلام
بعث الله يعقوب -عليه السلام- واشتهر باسم إسرائيل أي عبد الله، أبناؤه هم بنو إسرائيل، وكانت بعثته بعد إسحاق؛ لقول الله تعالى: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
يوسف عليه السلام
نبي الله يوسف هو ابن يعقوب -عليهما السلام-، وكانت بعثة يوسف بعد أبيه.
أيوب عليه السلام
ذكر القرآن الكريم أيوب -عليه السلام- من حيث ابتلاء الله تعالى له، ولم يأتي تفصلٌ حول نبوته ودعوته، وذكر ابن كثير أنّه جاء بعد يوسف -عليه السلام-.
ذو الكفل عليه السلام
لم يرد تفصيل في القرآن الكريم والسنة النبوية حول دعوة ذو الكفل، إلا ذكره مع جملة الأنبياء في قول الله تعالى: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ).
يونس عليه السلام
ورد ذكر نبي الله يونس -عليه السلام- في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد بعثه الله تعالى إلى الآشوريين، وتُذكر قصته في كتب سير وقصص الأنبياء قبل قصة موسى عليه السلام.
موسى وهارون عليهما السلام
بعث الله تعالى نبيه موسى -عليه السلام- وأيّده بأخيه هارون ليسانده ويؤيده في دعوته، قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا)، وعاصرهما الخضر الذي قال فيه بعض العلماء أنّه نبي، ومنهم من قال أنّه ولي صالحٌ وليس نبيًا.
يوشع بن نون عليه السلام
ورد أنّ يوشع هو فتى موسى الذي رافقه في رحلته إلى لقاء الخضر، وذكرت رواياتٌ صححها بعض العلماء أنّه كان نبيًا، ومن ذلك ما رُوي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الشَّمسَ لم تُحبَسْ على بشَرٍ إلَّا ليوشعَ لياليَ سارَ إلى بيتِ المقدِسِ).
إلياس عليه السلام
نبي الله إلياس -عليه السلام- هو أحد أنبياء بني إسرائيل، وقد أرسله الله تعالى بعد موسى -عليه السلام- بفترةٍ قصيرةٍ.
اليسع عليه السلام
ورد ذكر اليسع -عليه السلام- في قول الله تعالى: (وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ)، وذُكر أنّه من أنبياء بني إسرائيل، وبُعث بعد إلياس -عليه السلام-
داود وابنه سليمان عليهما السلام
بعث الله تعالى داود -عليه السلام- إلى بني إسرائيل وآتاه الملك والنبوة، وورثه من بعده ابن سليمان -عليه السلام- فكان ملكًا ونبيًا لبني إسرائيل؛ لقول الله تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ).
زكريا وابنه يحيى عليهما السلام
بعث الله تعالى زكريا نبيًا لبني إسرائيل، ورزقه الله تعالى بيحيى -عليه السلام-، وجعله نبيًا كذلك، قال تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ* فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ).
عيسى عليه السلام
عيسى -عليه السلام- أحد أولي العزم من الرسل -عليهم السلام-، وآخر أنبياء بني إسرائيل، ولم يكن بينه وبين النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- أي نبي؛ فقد جاء عيسى -عليه السلام- مبشرًا ببعثة النبي محمد -عليه الصلاة والسلام-.
خاتم الأنبياء: محمد عليه الصلاة والسلام
ولد النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكّة المكرمة في عام الفيل، وعندما بلغ الأربعين من عمره نزل عليه الوحي في غار حراء، وبدأت دعوته سريّةً، واستمرت سريةً لثلاث سنوات، وعندما جهر بها لاقى المسلمون من أهل مكة أشدّ العذاب، ممّا اضطرهم للهجرة إلى المدينة المنورة، ومن هناك بدأت دعوة الإسلام بالتوسّع والانتشار إلى أن شمل معظم أرجاء الأرض، وتعهّد الله تعالى بحفظ الإسلام وبحماية القرآن الكريم إلى أن تقوم الساعة؛ فهو خاتم الرسالات السماوية، وعندما ناهز الرسول الكريم الثالثة والستين من عمره توفاه الله -عزّ وجل- بعد أن قضى في الدعوة الإسلامية ثلاثًا وعشرين سنة.
وفي الختام فقد بعث الله الأنبياء والرسل لهداية الناس إلى التوحيد وترك عبادة ما سواه، مؤيداً إياهم بالمعجزات البينات. بدأت سلسلة النبوة بأبي البشر آدم عليه السلام، واختتمت بسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم. وقد ورد ذكر خمسة وعشرين نبياً ورسولاً في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، مع الإشارة إلى وجود أنبياء آخرين لم يُذكروا بأسمائهم.
أما ترتيب الأنبياء المذكورين في القرآن والسنة، فيبدأ بآدم عليه السلام، ثم إدريس، ثم نوح، ثم هود، ثم صالح، ثم إبراهيم، ثم لوط، ثم شعيب، ثم إسماعيل، ثم إسحاق، ثم يعقوب، ثم يوسف، ثم أيوب، ثم ذو الكفل، ثم يونس، ثم موسى، ثم هارون، ثم يوشع، ثم إلياس، ثم اليسع، ثم داوود، ثم سليمان، ثم زكريا، ثم يحيى، ثم عيسى عليهم السلام جميعاً، ليختتم الله تعالى بهم مسيرة النبوة والرسالة بخاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.